متى يُعلن الحزب انسحابه النّهائيّ من جنوب اللّيطاني؟
بعد جولة أولى لمراسلي وسائل الإعلام المحليّة والأجنبيّة في جنوب نهر الليطاني بدت كأنّها غير شافية للإقناع والاقتناع، أتاحت جولة السفراء العرب والأجانب التحقّق من تنظيف المنطقة من البنى العسكريّة لـ”الحزب”. وكانت أقرب الى إشعار رسميّ من الجيش بأنّ المكان، الشرط المُلزم لوقف النار، أضحى أخيراً تحت سلطته الكاملة.
لا يزال ينقص أهمّيّة جولتَيْ الجيش ما يقتضي أن يُكملها، وهو اعتراف “الحزب” بأنّه خرج نهائيّاً وأخيراً من جنوب نهر الليطاني بصفته مقاومة مسلّحة في مواجهة إسرائيل. ذلك ما لم يحدث بعد، فيما بعض مسؤوليه يتحدّثون عن أنّهم لم يفقدوا تماماً فرصة الاستعداد كما العودة وسلاحهم إلى تلك البقعة ما إن ينفد صبرهم، مع أنّ الوقت المنقضي، منذ جلائهم العسكريّ عن المنطقة لسنة خلت ملأها الجيش، كافٍ كي يُستنزف ذاك الصبر لوفرة اعتداءات إسرائيل وغاراتها واغتيالاتها التي لم تتوقّف مذّاك.
براءة ذمّة الدّولة؟
واقع ما آل إليه جنوب نهر الليطاني أنّ “الحزب” بالفعل خرج عسكريّاً منه، فيما يبقى الآن إقراره السياسيّ، المستعصي، بأنّه بالفعل فقد ورقة المقاومة هناك ما إن فقد المقدرة على استخدام سلاحها. بيد أنّ بعض المعلومات لـ”أساس” تكشف عن مناقشات داخله تتحدّث عن توقّع إصداره بياناً رسميّاً هو أقرب إلى إعلان سياسيّ أن لا وجود له عسكريّاً في جنوب نهر الليطاني يتمّم ما قاله الجيش أخيراً.
المأمول من الموقف الذي تنتظره السلطات الرسميّة، بعد الجيش، في الإعلان المتوقّع لـ”الحزب”، إفضاؤه إلى بضع نتائج:
تسهيل تحديد مواعيد زيارة رئيس الجمهوريّة جوزف عون وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، كلّ على حدة، لواشنطن في مطلع السنة الجديدة، بعد أن تدخل الجانب السعودي لدى الإدارة الأميركية لفتح أبواب واشنطن أمام القائد، مزوَّدَيْن ببراءة ذمّة أنّ لبنان الرسميّ، بسلطاته الرسميّة ومؤسّسته العسكريّة أنها، أتمّ ما عليه في اتّفاق وقف النار، وتالياً تأكيد الثقة بكليهما على رأسَيْ مؤسّستيْهما بغية الحصول على مزيد من الدعم والمساعدة.
أهمّيّة احترام لبنان مقتضيات اتّفاق وقف النار وتطبيقه إيّاه كاملاً في المنطقة المنصوص عليها في القرار 1701 واتّفاق وقف النار، لا تقلّل من كونه تنازلاً جوهريّاً أُرغم عليه قبل أن تنسحب إسرائيل من الأراضي اللبنانيّة المحتلّة، مع أنّ كلتا الوثيقتين الدوليّتين تحدّثتا عن انسحاب متزامن ينفّذه “الحزب” وإسرائيل ويصاحبه انتشار الجيش اللبناني.
القيد الملزم في القرار 1701 الذي ينصّ على أنّ إخلاء “الحزب” جنوب نهر الليطاني هو نقطة انطلاق لمرحلة أوسع تقضي بتخلّيه عن سلاحه على كلّ الأراضي اللبنانيّة. تالياً يمسي الحديث المقبل هو مصير المنطقة المحاذية لجنوب نهر الليطاني صعوداً حتّى نهر الأوّلي التي ستكون المرحلة التالية التي تشترطها إسرائيل منطقة منزوعة تماماً من سلاح “الحزب”.
سيكون الجيش مدعوّاً إلى جدولة زمنيّة للمرحلة الجديدة هذه، مع أنّه لا أحاديث ولا خططاً علنيّة في شأنها حتّى الآن على الأقلّ. فيما وصل إلى المسؤولين الرسميّين أنّ المنطقة الآمنة التي تتطلّبها إسرائيل لضمان سلامة شمالها تبدأ من نهر الأوّلي حتّى الخطّ الأزرق، دون اكتفائها بجنوب نهر الليطاني، وهو ما يجعلها مجدّداً تربط انسحابها من النقاط الخمس المحتلّة بالمرحلة المكمّلة لإخلاء “الحزب” الجنوب اللبنانيّ.
العودة إلى المساكنة؟
يُقوَّم فحوى المسار المتدرّج هذا في المرحلة الثالثة، أي في شمال نهر الأوّلي. ما يُنقل عن المسؤولين الأميركيّين والإسرائيليّين أنّهم معنيّون مباشرة بما هو جنوب نهر الأوّلي، فيما شماله متروك للدولة اللبنانيّة إيجاد مخارجه، دون التخلّي عن الإصرار على تجريد “الحزب” من سلاحه على الأراضي اللبنانيّة كلّها.
الضمان الذي تشترطه الدولة العبريّة هو أن تستعيد مجدّداً، وإن بشروط ومقتضيات ومعطيات مختلفة إن لم تكن متناقضة، تجربة السلم التي خبرتها بين 11 آب 2006 و7 تشرين الأوّل 2023، أي قرابة 17 عاماً من عمر القرار 1701 كما من عمر جنوب نهر الليطاني، والتي ساد فيها الاستقرار وكفلت أمن الشمال الإسرائيليّ وأوجدت نوعاً من “مساكنة” الدولة العبرّية مع “الحزب”، ما خلا بضع حوادث عابرة كصدامات جيشها مع الجيش اللبنانيّ في واقعتَي “شجرة العديسة” في 3 آب 2010 وفي مزارع شبعا.
توافق كلا الطرفَيْن، “الحزب” وإسرائيل، ضمناً على تلك المساكنة إلى أن هزّتها “حماس” في عمليّة “طوفان الأقصى”. طوال تلك المدّة كان على “الحزب” الانتقال من جبهة الجنوب إلى جبهة الحرب السوريّة والتورّط فيها، فيما كانت إسرائيل تجمع المعلومات عنه وصولاً الى مرحلة تصفية الحساب بدءاً من 23 أيلول 2024.
الجانب الآخر من تلك المساكنة في جنوب نهر الليطاني أنّ “الحزب” منذ ما بعد عام 2006 راح يتفرّغ للداخل اللبنانيّ ويقضمه تدريجاً، بدءاً بفرض تسليم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك، بالإرغام، بأنّه “مقاومة” وليس “ميليشيا”، كما كانت تقول أدبيّات قوى 14 آذار، كي يُعمَّم المصطلح على الحكومات المتعاقبة من بعدها، ثمّ أحداث 7 أيّار 2008، فاتّفاق الدوحة الذي أوجد أعراف تدمير الأصول الدستوريّة، ومن بعدُ توالت وقائع إحكام قبضته على المؤسّسات الدستوريّة، بدءاً بالشغور الرئاسيّ، مروراً بتأليف الحكومات، ووصولاً إلى الإمساك بالسلطات الأمنيّة والعسكريّة والقضائيّة. ذهب إلى الحرب السوريّة قبل أن يقود لبنان إلى مغامرة مماثلة ومكلفة كتلك، هي إسناد حرب غزّة. غدا ذلك جزءاً لا يتجزّأ من كلفة ضمان أمن إسرائيل جنوب نهر الليطاني، في مقابل تفلّته هو في شماله.
استعادة تجربة 2006 ـ 2023 تبدو ماثلة اليوم مجدّداً في ضوء تحرّك خطّ الأمان الإسرائيليّ من جنوب نهر الليطاني إلى جنوب نهر الأوّلي. أمّا التحوّلات الجديدة التي صاحبت وقف النار أو تلته ولا تزال تعايشه، فهي سقوط نظام الرئيس بشّار الأسد، انقطاع الجسر الجغرافيّ بين إيران والبقاع اللبنانيّ عبر سوريا، ونشوء سلطات دستوريّة جديدة في لبنان أُرغم “الحزب” على القبول بها، دونما تمكّنه من رفض شروطها أو الحؤول دونها: انتخاب رئيس للجمهوريّة لم يُسمِّه وتكليف رئيس للحكومة جرّداه فوراً من الشرعيّة القانونيّة للمقاومة، علاوة على حكومة حَارَ بين الانضمام إليها والبقاء خارجها، وتعيينات عسكرية لم يأتِ برجالها، ودرّاجات ناريّة لم تعد تخرج من الضاحية الجنوبيّة، فيما هو على أبواب انتخابات نيابيّة عامّة في الأشهر المقبلة.
ما سيمثّل معضلة في عام 2026 ليس سلاح “الحزب” في جنوب منطقة الأمان الإسرائيليّ، بل “الحزب” بالذات، وليس سلاحه فحسب، في شمالها.
نقولا ناصيف - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|