مهلة السماح التفاوضية تتلاشى والرهانات تسقط...هل تقدم الدولة؟
أسباب داخليّة وخارجيّة تفسّر "هدوء" حزب الله
لم يكن حزب الله "واقعيا" في مقاربته للتوازنات الداخلية والاقليمية والدولية كما هو اليوم، وهذا ما يفسر الهدوء "المستفز" في بعض الاحيان لجمهوره، تجاه العديد من الملفات والقضايا الجوهرية، التي تمس ما يرون انها مسائل غير قابلة للنقاش اصلا، لكن للحزب وجهة نظر يحاول ان يقنع بها بيئته، التي تحاول التكيف مع الواقع بالاستناد الى الثقة التي لم تتزعزع بقيادة المقاومة، على الرغم من النتائج القاسية للحرب والتداعيات المستمرة دون توقف حتى الآن. فكيف يقارب الحزب التطورات؟ وما هي رهاناته؟
لا شك بان "الورشة" الداخلية على كافة المستويات التنظيمية، تحتل الاولوية لدى قيادة حزب الله، التي تبدو في سباق مع الزمن كي تصل بالجهوزية الى مستوى التحديات الراهنة والمستقبلية. ووفق مصادر مطلعة على أجواء الحزب، لا يتقدم اي شيء على المحاولات الدؤوبة المستمرة ليل نهار، لمحاولة تعويض كل الخسائر البشرية واللوجستية التي فقدت خلال الحرب الاخيرة، ولهذا تتجاوز المقاومة الخسائر شبه اليومية بفعل الاعتداءات الاسرائيلية، في محاولة "لشراء الوقت"، باعتبار ان حرب الاستنزاف القائمة تعتبر واقعا سيئا، لكنه ليس الاسوأ، بالاخذ في عين الاعتبار تجنيب البيئة الحاضنة اهوال اي حرب جديدة. لكن الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم سبق واعلن ان "للصبر حدود"، والسكوت لن يستمر طويلا.. لكن الى متى؟
لا يملك احد اجوبة واضحة يمكن الركون اليها، لكن وبحسب معلومات تلك المصادر، رسم الحزب ضمنيا "خطوطا حمراء"، لا يمكن ان يسمح لاسرائيل بتجاوزها، وهي لا ترتبط حصرا باستهداف جسمه التنظيمي، وانما بامور اخرى يتجنب الافصاح عنها علنا، لكنها معروفة جيدا لدى العدو، الذي يدرك جيدا ان تجاوزها يعني حكما الذهاب الى مواجهة مفتوحة "بالإمكانات" المتوافرة، غير المعروف حجمها او مدى تأثيرها، لكن الكل يدرك بان ثمة قدرات موجودة وقد تكون مؤثرة، دون ان تكون مسألة استعادة الردع محسومة، في ظل شكوك عامة تحتاج الى "بروفة" اشتباك لادراك مستواها.
وفي الانتظار، تسير المقاربة السياسية جنبا الى جنب مع عملية البناء، لكن هنا ايضا ثمة "خطوط حمراء" يدركها المسؤولون اللبنانيون، ولن يقبل حزب الله بتجاوزها، وهو امر لم يحصل حتى الآن، ولذلك تتم مقاربة المستجدات بهدوء، تجنبا "خضات" داخلية قد لا تكون مفيدة لاحد، ولهذا حاول الحزب تحسين خطوط التواصل مع رئيس الحكومة نواف سلام، وقد انتقلت من مرحلة "الصقيع" الى "البرودة"، فيما تبقى قنوات الاتصال والحوار مفتوحة مع رئيس الجمهورية جوزاف عون. اما العلاقة مع رئيس مجلس النواب فهي "وحدة حال"، غير قابلة للمس.
وفي هذا السياق، جاء التعامل هادئا مع تعيين رئيس مدني في لجنة "الميكانيزم"، على الرغم من التحفظ على الخطوة، كونها مجانية اولا، ولان مستوى التمثيل "غير تقني"، اما الموقف من السفير السابق سيمون كرم فهو سلبي للغاية، ولم يكن الامر ليكون سهل "الهضم" لو كانت الظروف مغايرة، لكن فرضه كأمر واقع، كان "رسالة" سلبية، وانما غير مؤثرة راهنا لان الهوامش ضيقة امامه، وليس بمقدوره الذهاب بعيدا في استثمار هذه الخطوة بما يتناسب مع افكاره وقناعاته، وهو ما سمعته قيادة الحزب على شكل تعهد من الرئاسة الاولى، مع شرح مستفيض لكافة الظروف التي حتمت هذا التعيين، الذي يشكل جزء من المحاولات الحثيثة لمنع الحرب.
لكن حزب الله العارف جيدا بالعقلية الاسرائيلية، يدرك جيدا ان ما سيطلب لاحقا من لبنان سيكون اقسى، لكنه لا يريد حرق المراحل، وهو يراقب الحراك الديبلوماسي الاقليمي والدولي، ويعول على حصول تقاطع مصالح معينة، قد تفضي الى تسوية تخفف الضغط على الساحة اللبنانية. ووفق المعلومات، ليس بعيدا عن اجواء الاتصالات الجارية، وينتظر بعض الاشارات المتصلة بحراك يقوده الايرانيون بعيدا عن "الاضواء"، قد يسمح بحال نجاحه، بمنح البلاد جرعة من "الاوكسيجين" تسمح باستعادة الانفاس.
في المقابل، وكما تشير التقارير الواردة من واشنطن، تعمل الولايات المتحدّة على "قدم وساق" لتحسين العلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية عبر الديبلوماسية الاقتصادية، وترغب في بدء هذه العملية مع مصر، عبر محاولة الرئيس دونالد ترامب جمع نتانياهو مع الرئيس عبدالفتاح السياسي ، وفرض اتفاقية غاز على جديدة على الطرفين.. وبحسب التقارير، تركز الخطة الاميركية التي يقودها صهر ترامب جاريد كوشنير،على تحديد الحوافز الاقتصادية في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة بين "إسرائيل" والدول العربية، ولن يكون لبنان بعيدا عنها.
هذا "التسلل" سيكون مرفوضا بحكم القاعدة التي وضع حزب الله ضوابتها، وهي تقوم على اعتبار اي خطوة لبنانية تتجاوز حدود التنازلات الشكلية، تعتبر كسرا "للخطوط الحمراء"، وعندها "سيبنى على الشيء مقتضاه"، لان معادلة اسقاط البلاد من الداخل عبر تقديم تنازلات فعلية، سيعني حكما الدخول في مرحلة جديدة لن تشبه ما هو قائم اليوم، فهذا الالغاء لهوية لبنان، وإدخاله في مسار من التطبيع العملاني، سيعني حكما ان الحزب مضطر لخوض المعركة الوجودية التي تستهدف بيئته، ومجتمعه المدني، وليس فقط سلاحه. ولهذا طالما ان خطوات الدولة تخدم استراتيجية "شراء الوقت" فلا ضير منها، وسيكون حزب الله ملتزما تقديم المساعدة حيث يجب ان تقدم، وهو ما يفعله في جنوب الليطاني، لكن اي مس بالثوابت التي يعرفها اركان الدولة، فسيكون رد الفعل متناسبا حينها، خصوصا اذا تمت الاستجابة الى الضغوط الاميركية، التي تستهدف البنى التحتية الاجتماعية للبيئة الحاضنة.
ابراهيم ناصرالدين - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|