ريفي يستذكر اغتيال شطح ومحمد الشعار: ذكراهما تؤكد أن الحلم بوطن تسوده العدالة لا بد أن يتحقق
هذا هو "الانتصار" الذي يتحدّث عنه "حزب الله"..
على الرَغم من الضربات القاتلة والمُدمّرة التي تعرّض لها "حزب الله"، وعلى الرغم من استمرار إسرائيل في حرب متقطّعة من جانب واحد ضُد "الحزب"، من دون قيام الأخير بأي رد فعل، تُصرّ قيادة الحزب على الحديث عن ربحه للمعركة الأخيرة مع الإسرائيليّين وعن "انتصار"، بشكل لا يتطابق مع الكثير من الوقائع الميدانية. فعن أي "انتصار" يتحدّث؟.
بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ العلم العسكري الخاص بالدفاعات خلال الحروب يُؤشّر إلى خط دفاعي أمامي رئيسي، وعن خط دفاع خلفي ثانوي في بعض الحالات، وحتى عن خط دفاع ثالث في حالات نادرة جدًا. لكنّ "حزب الله" لا يعتمد هذا الأسلوب، لأنّ مقاربته الدفاعية تعتمد مفهومًا مُغايرًا تمامًا، يستند بالدرجة الأولى إلى مئات الخلايا الدفاعية المستقلّة بعضها عن بعض والمُكتفية ذاتيًا من النواحي كافة. صحيح أنّه كان يُقسّم الجبهات الحدودية إلى مناطق تتولّاها وحدات قتالية مختلفة، مثل وحدات "نصر" و"بدر" و"عزيز" و"حيدر" (لكل منها مسؤولية على نطاق جغرافي مُحدّد)، وصحيح أنّ هذه الأفواج كانت مدعومة من وحدات قتالية نخبوية مُتخصّصة، مثل: "قوة الرضوان" و"أفواج العبّاس"، وكذلك مثل "الوحدة الصاروخية" و"وحدة المدفعية" و"وحدة المُحلّقات"، لكنّ الأصحّ أنّ التركيز هو على تمتّع كل قرية وبلدة من قرى وبلدات لبنان بقيادة ذاتية مُستقلّة، وبتجهيزات قتالية متكاملة، الأمر الذي يمنحها القُدرة على القتال حتى عند انقطاع خطوط الاتصال والإمداد.
إذًا، بنى "حزب الله" إستراتيجيته الدفاعية على تواجد قائد منطقة ومجموعات عسكرية كاملة التجهيزات تخضع لأمرته، في كل منطقة من المناطق الحدودية، امتدادًا إلى داخل العمق اللبناني. واللافت أنّ تجنيد هؤلاء المُقاتلين كان يتمّ من داخل القرى والبلدات المعنية، وليس من خارجها للاستغناء عن التحرّكات المكشوفة بين المناطق خلال الحرب. وكل وحدة من هؤلاء تملك الأسلحة المناسبة، لا سيّما الصواريخ المُضادة للدروع، والألغام، وقذائف الهاون، وقاذفات الصواريخ القصيرة المدى وحتى المتوسطة المدى في بعض الحالات، ناهيك عن الأسلحة الرشّاشة. وفي كل قرية أو بلدة يُوجد اكتفاء ذاتي من حيث مخازن الذخيرة، بحيث لا حاجة إلى نقل الأسلحة والذخائر إليها أثناء المعارك. والقدرة على الصمود الذاتي من دون إمدادات لوجستية لا تقتصر على بضعة أيّام أو أسابيع، بل تمتد لأشهر طويلة. وما ينطبق على السلاح والذخائر، يشمل أيضًا المأكل والمشرب والأدوية وغيرها من المُستلزمات ذات المنفعة في الحروب.
هذا التقسيم الدفاعي جعل تقدّم الجيش الإسرائيلي خلال حرب العام 2024 صعبًا جدًا، ومُكلفًا بشكل استثنائي، خاصة وأنه لا يُوجد كلمة انسحاب في قاموس مقاتلي "الحزب". وبالتالي، كانت كل قرية وكل بلدة يُحاول الجيش الإسرائيلي التقدّم إليها، تُقاتل حتى النفس الأخير، أي حتى سُقوط آخر مقاتل ضمن نطاقها! وتبعًا لذلك، رأى الإسرائيليون أنّ إسقاط أي قرية أو بلدة يستوجب أيّامًا طويلة من القتال، ولا يُمكن أن يتم من دون التعرّض لخسائر كبيرة في العديد والعتاد. بمعنى آخر، كان الجيش الإسرائيلي خلال الحرب قادرًا على توسيع احتلاله في الجنوب اللبناني، بفعل تفوّق آلته العسكرية، لكن ذلك ما كان ليتمّ من دون التعرّض لخسائر جسيمة، قد يصعب على الرأي العام الإسرائيلي تحمّلها، وذلك عند مهاجمة أي قرية وأي بلدة! وقد دفع هذا الواقع الجانب الإسرائيلي إلى السعي لتحقيق أهدافه، لا سيّما لجهة تجريد "الحزب" من سلاحه وإبعاد عناصره عن الحدود، بأساليب أخرى، تستغني عن التقدّم الميداني المباشر والمُوسّع.
وهذا الأمر بالتحديد هو ما جعل "حزب الله" يتحدّث عن "انتصار" حقّقه خلال الحرب الأخيرة، لجهة وُقوفه بقوّة أمام محاولات التوسّع الميداني الإسرائيلي، وقدرته على صد الهجمات لفترات زمنية طويلة، على الرغم من التفوّق الجويّ الإسرائيلي الساحق. حتى أنّ سُقوط أي مساحة جغرافية كان لا يتمّ من دون ثمن مرتفع للإسرائيلي، مع تسجيل صُعوبة باحتفاظ الجيش الإسرائيلي بالمواقع التي يتقدّم إليها في أي قرية أو بلدة، من دون التعرّض لنيران مباشرة من مقاتلي "الحزب" في القرى والبلدات المجاورة، بفعل التركيبة الدفاعية التي أشرنا إليها. وقد طغى ذلك على نجاح "الحزب" في استهداف الداخل الإسرائيلي بما مجموعه 15400 صاروخ خلال حرب العام 2024.
لكنّ هذا الواقع تغيّر، بفعل الإجراءات الميدانية التي نُفّذت في الجنوب تطبيقًا لاتفاق وقف الأعمال العدائية الذي وُقّع في 27 تشرين الثاني 2024، الأمر الذي صبّ في صالح إسرائيل. وبالتالي، صار السؤال المطروح حاليًا: هل فقد الحزب قوة الردع نهائيًا؟ هذا ما سنتناوله في المقال الرابع ضمن هذا الملف الشامل.
ناجي البستاني -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|