شهر على انضمامها لـ"التحالف الدولي"... دمشق أمام الإختبار الأول
شكل الهجوم الذي تعرضت له دورية أميركية - سورية مشتركة في تدمر شرقي حمص يوم السبت، اختبارا أول وهو الأهم للحكومة السورية، منذ انضمامها لـ«التحالف الدولي» لمحاربة «داعش»، الذي أعلن عنه رسميا خلال زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن 10 تشرين الثاني المنصرم.
ففي أثناء قيام قوات الأمن السورية وقوات أميركية، بتنفيذ جولة ميدانية، تعرضت تلك القوات لإطلاق نار في مقر الفرع، الذي كان يعرف باسم «فرع البادية» أو الفرع «221» التابع لـ«شعبة المخابرات العسكرية» سابقا. وقد أفادت مصادر محلية أن «المنفذ (واسمه طارق صطوف الحمد) كان موجودا داخل الفرع أثناء الإجتماع»، وأضافت تلك المصادر أنه «كان قد قام بالهجوم بعيد انتهاء الإجتماع، وتحديدا أثناء مغادرة أعضاؤه قرب البوابة الرئيسية».
وقد نقلت وكالة «رويترز» عن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» تأكيدها، أن «جنديين أميركيين قتلا، إضافة إلى مقتل مدني أميركي كان يعمل بصفة مترجم»، كما أصيب ثلاثة آخرون في الهجوم. وفي أعقاب الحادثة نفذت القوات الأميركية ليل السبت - الأحد، حملة اعتقالات واسعة في جوار الفرع، كما حلق الطيران الحربي الأميركي والمروحي بشكل متقطع، في سماء تدمر وريف حمص الشرقي، وقد أظهرت مقاطع عدة قيامه بإلقاء القنابل المضيئة من دون تنفيذ أي قصف.
وفي حيثيات الحادثة، ذكرت مصادر أن المشرف على المقر، الذي وقع فيه الهجوم هو «أبو جابر معردبسة»، واسمه الحقيقي محمد شيخ قاسم من قرية «معردبسة» بريف إدلب، وهو قيادي سابق في «جبهة النصرة»، حيث تدرج فيها إلى أن أصبح أميرا للتنظيم في درعا. وقد اشارت المصادر الى أن طارق صطوف الحمد، منفذ الهجوم، هو أحد مرافقي أبو جابر، من دون أن تكون هناك تأكيدات قاطعة على ذلك، ووحده صالح الحموي، القيادي السابق في «جبهة النصرة»، كان قريبا من الشرع عندما كان قائدا لهذه الأخيرة، الذي قال في منشور على صفحته المعروفة بـ«أس الصراع في بلاد الشام»، بأن «منفذ الهجوم هو أحد مرافقي أبو جابر».
في حين أكد بيان لوزارة الداخلية السورية أن «منفذ الهجوم لا يملك أي ارتباط قيادي داخل الأمن الداخلي»، إلا أن أداء الوزارة بدا مرتبكا في تعاطيها مع الحادثة، حين ظهر المتحدث باسم الداخلية نور الدين البابا، ليضيف أن تقييما كان قد جرى قبل أيام لمنفذ الهجوم، وأن ذلك التقييم أفاد بأنه «لربما يحمل فكرا تكفيريا أو متطرفا»، وتابع «كان من المقرر أن يتخذ إجراء بحقه يوم الأحد، لكن الحادث وقع يوم السبت، وهو يوم عطلة».
ومن المؤكد أن هذا التصريح يشير إلى وجود خلل بنيوي عميق داخل أروقة الوزارة التي صدر عنها، بل وداخل أروقة غرف «صناعة القرار» على مستويات عدة.
وإذا كانت الصورة ضبابية على خلفية التضارب في التفاصيل الدقيقة، وهي على درجة عالية من الأهمية، فإن هناك احتمالات ثلاثة لتفسير الحادثة :
- الأول: أن يكون المنفذ هو عضو في تنظيم «داعش»، وهو احتمال يحظى بوجاهة لا بأس بها، خصوصا أنه كان قد ذهب قبل أيام، إلى شن هجوم حاد على الرئيس أحمد الشرع، بعد أن قدم قراءة للمشهد السوري تقول أن «ما جرى يوم 8 كانون أول لا يمثل تحريرا، بل يمثل تحررا من الشريعة». كما جاء في افتتاحية العدد 525 من صحيفة «النبأ»، لسان حال التنظيم الصادرة يوم الخميس الماضي، أن التنظيم «انتقل من التركيز على «النكاية»، واستهداف المؤسسات الأمنية والعسكرية، وعمليات الإنتقام من «تحرير الشام»، إلى خطط أكثر تعقيدا تستهدف مكونات اجتماعية، وفتح جبهات توتر جديدة».
- الثاني: أن يكون للمنفذ «حيثية» معينة داخل الفصيل المسؤول عن حماية المقر، وقد مكنته هذه الصفة من الحصول على معلومات دقيقة، كأن يكون مرافقا لقائد المقر، وفقا لما ذكره صالح الحموي.
- الثالث وهو الأخطر: أن يكون المنفذ «مزدوج» الإنتماء، وتلك مسألة من شأنها أن ترمي بعشرات الأسئلة، لكن الأبرز منها: كم هو عديد الذين يحملون تلك الصفة في وزارتي الداخلية والدفاع؟ وهو سؤال لاشك أن إجاباته ستكون شديد الأهمية بالنسبة لواشنطن.
في مطلق الأحوال، لا يمكن القول أن ما جرى هو حادثة فردية معزولة، بل واقعة أمنية مكتملة الأركان، وهي تنذر بالكثير. وإذا كانت أولى الردود الأميركية عليها قد اتسمت بشيئ من «المرونة»، الأمر الذي ظهر في تصريحات الرئيس الأميركي، الذي ذهب إلى «تزكية» نظيره السوري، والقول بأنه «غاضب بالتأكيد مما جرى»، وإن كان قد أضاف «سيكون هناك رد جاد للغاية».
وما قصده ترامب بالتأكيد، أن «داعش» هو الذي سيلقى ذلك الرد، لكن ثمة حسابات يجب أن تكون حاضرة بالنسبة لدمشق، فانضمام الأخيرة لـ«التحالف الدولي»، الذي مضى عليه نحو خمسة أسابيع فقط، أمر له حساباته الأميركية المعقدة، ومن بينها مسألة «المزاج» الأميركي العام والمؤثرين فيه، الذين سيعمدون إلى الإستثمار في الحادثة، ولعل أكبر «المستثمرين» سيكون رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو، الذي سيزور الولايات المتحدة يوم 27 من الشهر الجاري، ولعل من المفيد لدمشق في هذا السياق، هو المضي في إجراء مراجعة حسابات شاملة، تبدأ عند «تنظيف» البيت الداخلي، ولا تنتهي عند سحب السلاح المتفلت، وهي إن فعلت ستحظى بمساعدة إقليمية ودولية، من النوع التي لا سقوف لها.
عبد المنعم علي عيسى -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|