كنعان رعى إضاءة زينة الميلاد في جديدة المتن: ساحة الانتصارات والفرح والوحدة
هل بدأ "حزب الله" مرحلة اغتيالات "ناعمة"؟
العنف كأداة وسلوك ظاهرة قديمة ومتجذرة خضعت لتحليلات ودراسات من علماء السياسة والاجتماع ضمن ما يعرف باستقراء "سوسيولوجيا العنف". بين أنواعها يبرز العنف الأيديولجي كجذر مؤسس لذاك المادي والمعنوي واللفظي، لكونه ينتج جمهورًا مؤدلجًا يرى في المختلف عنه عدوًا يجب تصفيته أو عزله بالاتكاء على المشروعية الأيديولوجية.
بيد أن عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو يرى أن العنف الرمزي هو أكثر خطورة من باقي الأنواع لكونه بسيطًا ولا شعوريًا يمارس عبر التواصل وتلقين المعارف. فينتج فئة مؤدلجة "مغسولة الدماغ"، يفضي غرقها في التصورات التاريخية إلى خلق مبرر أخلاقي وديني لممارسة العنف كأداة سياسية ومجتمعية.
وهنا بالضبط يتموضع "حزب الله" راهنًا، حيث يوظف نتاج سياسات التلقين والتواصل التي اتبعها منذ نشأته لخلق جدار عازل سميك حول الهوية المقفلة التي يحملها، وتدعيمه باستثمار عناصر تاريخانية منتقاة من الإرث الإسلامي لتجييش حاضنته، عبر إعادة تركيب "رواية شيعية" تخدم سياق مظلوميته المستجدة، في موازاة الاستثمار المزدوج لأدوات التواصل الحداثوية: تسويق الرواية، وإحاطة كل الخصوم بهالة من حملات التشكيك المكثفة والعنف المعنوي واللفظي، بما يحد من قدرتها على النفاذ إلى العقل.
فإذا كانت "البورجوازية" هي عدو "الشيوعية" و"الاشتراكية"، و"السامية" هي عدو "النازية"، فإن العقل هو عدو "الحزب"، أو بمعنى أدق التفكير النقدي المنظم. والعنف الطبقي بما يشكل من سمة بارزة للأيديولوجيا "الماركسية" يتمظهر لدى "الحزب" بنمط طبقي آخر يقسّم على أساسه المجتمع إلى "فسطاطي" سيد قطب: طبقة حاضنته الموصوفة بـ "أشرف الناس" لمنحها مكانة "علوية"، فضلًا عن حلفاء الضرورة، في مواجهة طبقة واسعة ومرنة من الأعداء تتغير باستمرار حسب الديناميات السياسية.
إلا أن المشترك الأساسي بين جميع الأعداء هو العقل، الذي يمنع حاضنته من استخدامه، فيحقنها بـ "مورفين" الأيديولوجيا عبر وريد الأسطرة التي تُمنح هالة عالية من القدسية بما يجعلها حُرُمًا يمنع تداولها والنقاش فيها. وفي حالته الراهنة، يعتبر "الحزب" أنه يواجه تهديدًا وجوديًا يفاقم حساسيته المفرطة إزاء أي آراء نقدية مدعومة بالأسانيد والتوثيق، يمكنها أن تخلق التباسًا، أو تطرح إشكاليات جوهرية تمسّ الأيديولوجيا المؤسّسة، مهما كان شكلها أو سببها، بما يجعله شديد التحفز لممارسة العنف المادي.
وهنا نستعير من حنا إرندت توصيف "تفاهة الشر" إنما بسياق مادي بحت لإسقاطه على العنف المادي المقصود بحيث قد يبدو تافهًا أو محدود القيمة السياسية والاجتماعية، فيما يغدو إعلانًا بدخول "الحزب" حقبة اغتيالات "ناعمة" تهدف لإسكات صوت العقل، وتوجيه رسائل حاسمة تبث الرعب لدى الجميع، من خلال استهداف من هم خارج دوائر الحماية والتحصين التقليدية.
والحال أنه منذ أسبوعين حصلت حادثة تبدو للوهلة الأولى ضمن سياق العاديات اللبنانية، طالت المؤرخ المتخصص في التاريخ الإيراني الصديق خالد الحاج، حيث "تصادف" مروره قرب "مستديرة الحبتور" مع سقوط إمرأة على بعد أمتار منه بلا سبب واضح. وحينما اندفع بشكل عفوي لنجدتها والإطمئنان إليها، تعرض للاستهداف الجسدي من اثنين من "العتاعيت" ظهرا فجأة وبلا مقدمات، مما أدى إلى كسر في أحد الأضلع القريبة من القلب، قبل أن يختفيا بسرعة بلا تفسيرات تبين سبب تدخلهما.
ومع ذلك، فإن ما حصل عادي، إنما غير العادي أن تخرج تحقيقات قوى الأمن بصفر نتيجة، صفر اهتمام، والأدهى صفر كاميرات يمكن الركون إليها في منطقة توجد فيها مراكز أمنية. وبالتالي صار لزامًا وضع الحادثة ضمن السياق الذي يشبهها، والذي "يصدف" أنه السياق نفسه لكل الحوادث التي يكون فيها "الحزب" متهمًا. هنا تبدأ الأحجار باتخاذ موضعها.
في رصيد خالد الحاج كتاب وحيد يعالج وفق نهج علمي أكاديمي إشكاليات العلاقة بين لبنان وإيران عنوانه "من بلاط الشاه إلى ضاحية بيروت - المسار الخفي للعلاقات اللبنانية الإيرانية من المشروع الأخضر إلى طوفان الأقصى"، ارتكز في إعداده على جملة من الوثائق والبيانات غير المطروقة، أبرزها تلك التي أماطت أميركا اللثام عنها بحكم الزمن.
في توقيت شديد الحساسية، ولا سيما على صعيد العلاقة المتوترة بين ركني "الثنائي"، يسلط الحاج الضوء في إطلالاته الإعلامية على زوايا من كتابه كانت ملتبسة ومشبعة بالإسقاطات الأيديولوجية، ومستبعدة بشكل شبه تام من النقاشات العلمية، في طليعتها العلاقة الإشكالية وتنافر المسارات والمقاربات بين الإمام المغيّب موسى الصدر والإمام الخميني، ومعارضة الأول لنهج "ولاية الفقيه" الذي قام عليه نظام الملالي ووليده "حزب الله". ورغم الطابع الأكاديمي، وما يتمتع به من موفور أدب ورصانة وطاقة إيجابية، يمسي الحاج كمن يدوس على خط أحمر مثقل بصواعق التفجير الأيديولوجي، خصوصًا مع ملاحظة تفاعل القواعد الحركية الإيجابي.
وعليه، فإن هذه الحادثة ليست معزولة عن سياق يشتمل على استخدام النفوذ السياسي لفرض ملاحقات قضائية بحق أشخاص معينين، وممارسة كل صنوف الترهيب التي تحدث عنها بورديو تجاه المعارضين الشيعة. كما أنها تتلاقى مع تحذيرات النائب الأسبق مصطفى علوش من عودة "الحزب" إلى توسّل العنف والاغتيالات، والمرتكزة على سوسيولوجيا الجماعات الأيديولوجية المأزومة.
سامر زريق -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|