زيارة الشرع إلى الولايات المتحدة: هل تمهد إلى تفاهم أمني بين دمشق وإسرائيل؟
بري يستنفر جنوبًا: لا مقايضة على العودة.. وورشة إعمار بوجه التقصير!
الإعمار هو الهاجس الأكبر لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ويتقدّم في سلّم أولوياته على أي قضية أخرى. الرجل الذي طالما اعتبره الجنوبيون ضمانة حقيقية لنهضة منطقتهم، لا يزال يرى في إعادة إعمار الجنوب بعد الحرب الأخيرة واجبًا وطنيًا لا يحتمل التأجيل.
فمنذ أن قال عبارته الشهيرة يومًا: "أنا عم بصنع من الضعف قوة، لزفّتلو طريق لابن الجنوب، لعمرلو مدرسة، لعمرلو مستشفى"، تحوّل الجنوب في عهده إلى واحدة من أكثر المناطق حيوية في لبنان، قبل أن تأتي حرب تشرين الأول 2023 لتعيد مشهد الدمار والتهجير وتفرض واقعًا مأسويًا جديدًا على الحدود الجنوبية.
اليوم، وبعد عامٍ من الدمار الهائل الذي لحق بالمناطق الحدودية، وما خلّفه من أضرار جسيمة في الأبنية والبنى التحتية والمؤسسات، يجد الرئيس بري نفسه أمام تحدٍّ جديد: إعادة الحياة إلى الجنوب. فالمناطق التي "نُسفت عن بكرة أبيها" تحتاج إلى ورشة إعمار ضخمة، في ظلّ أحاديث تتردّد في الأروقة عن مشاريع "منطقة صناعية" بطابع أمني، تشبه فكرة "المنطقة العازلة"، ما يعني عمليًا إبعاد سكان القرى الحدودية عن أرضهم.
وتؤكد مصادر مقرّبة من الرئيس بري لـ"المدن" أنّ كلّ هذه الهواجس تسكن ذهنه، إذ يكرّر في لقاءاته القول إنّ "الإعمار أولوية"، وأنّ التقاعس الحكومي عن التعامل بجدّية مع هذا الملف لم يعد مقبولًا. وهنا نعود إلى الخلاف الذي نشب مؤخرًا بينه وبين رئيس الحكومة نواف سلام على خلفية ما يعتبره بري "تقصيرًا حكوميًا " في معالجة هذا الملف الحيوي.
لقاء موسّع في الرادار: خطوة بري إلى الواجهة
قرّر رئيس السلطة التشريعية أن يتولّى بنفسه إدارة الملف. وتشير المعلومات التي حصلت عليها "المدن" من مصادر مقرّبة إلى أنّ مجمّع الرئيس بري في الرادار سيشهد يوم الثلاثاء المقبل لقاءً موسّعًا برعايته المباشرة، تنظّمه كتلة التنمية والتحرير النيابية تحت عنوان: "التمهيد نحو إعادة إعمار الجنوب".
ويُنتظر أن يشكّل هذا اللقاء انطلاقة جديدة لإعادة طرح ملف الإعمار بوصفه أولوية وطنية جامعة تتجاوز الحسابات السياسية الضيّقة.
وتكشف المعلومات أنّ اللقاء يهدف إلى تحديد الأولويات الوطنية في ملف الإعمار من خلال استعراض الأرقام التفصيلية، وتحديد الحاجات والموجودات، وتنسيق الجهود بين الوزارات والهيئات المعنية، تمهيدًا لجعل هذا الملف في مقدمة اهتمامات الدولة اللبنانية خلال المرحلة المقبلة.
حضور واسع ورسائل سياسية واضحة
اللقاء سيضمّ الوزراء المعنيين وعددًا من النواب، إلى جانب ممثلين عن هيئات دولية، والبنك الدولي، وقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، والجيش اللبناني، فضلًا عن المحافظين ورؤساء البلديات، ومجلس الجنوب، ومجلس الإنماء، والإعمار.
ويعكس هذا الحضور الواسع حجم الاهتمام الرسمي والشعبي بملف الإعمار، ولا سيما في القرى الحدودية التي تضرّرت بشدّة جرّاء العدوان الإسرائيلي الأخير.
وتؤكد معلومات "المدن" أنّ بري يريد من هذا اللقاء توجيه رسالة مباشرة إلى الجنوبيين مفادها أنّه "لن يهدأ حتى يعود أهالي القرى الحدودية إلى منازلهم"، وأنّه يعتبر هذا الملف أهمّ من أيّ قضية أخرى في المرحلة الراهنة.
كما تشير المعلومات إلى أنّ بري أوعز إلى جميع الجهات المعنية بتسخير كل الطاقات والإمكانات لتسريع ورشة الإعمار، معتبرًا أنّ المسألة لم تعد ملفًا إنمائيًا، بل قضية وطنية تمسّ كرامة الناس وحقّهم في البقاء على أرضهم.
الجنوب لن يكون منطقة عازلة
تؤكّد مصادر متابعة للتحضيرات لـ"المدن" أنّ خطوة بري هذه تحمل رسائل سياسية وأمنية متعدّدة الاتجاهات، أبرزها موجّه إلى العدو الإسرائيلي، الذي يسعى من خلال اعتداءاته المتكرّرة إلى منع إعادة الإعمار وتحويل الجنوب إلى "منطقة خالية من سكانها".
وتشير المصادر إلى أنّ الاعتداءات الأخيرة على ورش الإعمار والآليات المدنية، ولا سيما حادثة المصيلح، كانت رسالة واضحة من إسرائيل بأنّها تريد إبقاء المناطق المدمّرة خالية ومقفلة أمام عودة أهلها، ما يشير إلى نوايا مبيّتة لتحويلها إلى منطقة عازلة تحت غطاء "منطقة صناعية".
غير أنّ بري ـ وفق المصادر نفسها ـ يرفض هذا الطرح رفضًا قاطعًا، ويعتبره مساسًا بسيادة لبنان وهويته الجنوبية. فـ"الجنوب ليس منطقة عازلة ولا مجال للمساومة في هذا الأمر"، تقول المصادر، مضيفةً أن عقد اللقاء في قلب الجنوب هو بحدّ ذاته تأكيد رمزي وفعلي على التمسّك بالأرض ورفض أي مشروع خارجي يهدّدها.
بري: لا مقايضة على عودة الجنوبيين
وتشدّد المصادر على أنّ بري يعتبر عودة الجنوبيين إلى قراهم "قرارًا لا يخضع للنقاش"، وهو على قناعة تامة بأنّ هذه العودة تمثّل حقًّا طبيعيًا لا يمكن ربطه بأيّ تسويات أو مفاوضات.
فبعد عامٍ من الانتظار دون خطوات عملية، يرى بري أنّ الوقت حان لوضع حدّ للتأجيل والمماطلة، وأنّ ملف الإعمار يجب أن يُنتزع من "بازار السياسة والمفاوضات الدولية"، لأنّه ببساطة حقّ مكتسب لمن قدّموا دماءهم في سبيل الوطن.
وتضيف المصادر أنّ بري يدرك أنّ بعض الأطراف الخارجية تحاول ربط ملف الإعمار بملف سلاح "حزب الله"، لكنّه يرفض هذا الربط رفضًا مطلقًا، ويتمسّك بضرورة فصل القضايا الإنسانية والاجتماعية عن الملفات السياسية والعسكرية.
مع هذا الحراك الجديد، تدخل مرحلة إعادة الإعمار منعطفًا جديدًا، ليس من بوابة الحكومة، بل من بوابة الرئاسة الثانية وما تمثّله من ثقل سياسي وشعبي في الجنوب.
فاللقاء الذي يستعد له الرئيس بري في منطقة الرادار (المصيلح) لا يُعدّ مجرّد اجتماع إداري، بل انطلاقة فعلية لمسار وطني شامل قد يعيد الأمل إلى الجنوب، ويفتح صفحة جديدة في التعامل مع نتائج الحرب.
ويبقى السؤال: هل سينجح بري في كسر جدار صمت الإعمار وإعادة الزخم إلى ملفّ طال انتظاره؟
الأكيد أنّ خطوته المرتقبة يوم الثلاثاء لن تمرّ كحدثٍ عابر، بل ستكون محطة سياسية وإنمائية مفصلية، قد تضع الجنوب على طريق الأمل من جديد، في زمنٍ يغلب عليه الجمود والانتظار.
حسن فقيه- المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|