الصحافة

السلاح وقانون الانتخابات وجهان لقضية واحدة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تعيش دول المشرق العربي ومعها إسرائيل مرحلة من الوضوح غير المسبوق بحيث لم يعد هناك ما يستدعي انتظار معلومة من كواليس السياسات الدولية لفهم ما لا تظهره بنود الإتفاقات بصورة جلية. تعبّر الإدارة الأميركية بشكل جليّ عبر موفدي الرئيس دونالد ترامب إلى دول المنطقة أو عبر وزير الخارجية ماركو روبيو عن الأهداف التي تتوخاها واشنطن من هذا الحراك المكثّف وغير المسبوق. النسق الأميركي الجديد في إعلان الأهداف تعبّر عنه أوراق وخطط تنسب للرئيس الأميركي بما يعنيه ذلك من التزام أميركي من جهة وتحذير لمن يعنيهم الأمر من نتائج عدم الإلتزام من جهة أخرى. هذا ويواكب الحراك الأميركي جهود عربية دبلوماسية مصرية وخليجية تتشارك الرؤيا والأهداف مع واشنطن.

لقد اختبر العالم دور الرئيس الأميركي وأسلوبه في وقف الحروب، من الحرب الباكستانية الهندية إلى الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، وقد استخدم ترامب عوامل الضغط المناسبة في كل من هذه التجارب لبلوغ الهدف المنشود. لكن الإختبار الأصعب كان في النجاح في وقف إطلاق النار في غزة الذي يبدو أنه  يسير قدماً بالرغم من الأبعاد الإقليمية والإيديولوجية والتاريخية للصراع القائم. وقد يكون في إشراك الدول العربية الوازنة في تفاصيل وحيثيات هذا الإتفاق أحد أهم الدروس التي استقتها واشنطن من الفشل المتكرر لمحاولاتها السابقة. لكن تجربة غزة أثبتت أن أستخدام القوة المفرطة لإلزام حماس بقبول ورقة ترامب كان أحد مرتكزات استراتيجية ترامب التي عبّر عنها بـــ»استخدام القوة من أجل السلام».

ومع وقوف غزة على أبواب المرحلة الثانية من تطبيق ورقة ترامب يتقدم قطار التسويات نحو محطته المقبلة في لبنان الذي يتعثر بتطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار الموقّع مع إسرائيل منذ نوفمبر 2024. صحيح أن الإتفاق المذكور قد أنجزته الإدارة الأميركية للرئيس جو بايدن، لكنه أُدخل غرفة العناية المركزة مع الرئيس ترامب الذي لم يترك مناسبة إلا وذكّر بمسؤولية الدولة اللبنانية في نزع سلاح حزب الله وآخرها في قمّة شرم الشيخ ، كما يثابر موفدو ترامب على تذكير لبنان بعواقب عدم الإلتزام بما نصّ عليه الإتّفاق. فلماذا يحجم لبنان عن المضي في حصرية السلاح بالرغم من جدية المخاطر الماثلة في الأفق، والتي نقلها أكثر من مرجع عربي وغربي إلى لبنان؟  

مما لا شك فيه أنَ اللبنانيين لا يبحثون عن إجابة لهذا السؤال، فالإجابة ماثلة في عقولهم ووجدانهم بل يمكنهم قراءتها في مظاهر العجز في تحقيق المصلحة الوطنية وإعلاء الشأن العام على ما عداه. ففي تطبيق حصرية السلاح كما في حل مسألة الكهرباء أو معالجة أزمات النفايات ومياه الشفة، أو في مواجهة الإعتداءات على الأملاك البحرية وصولاً إلى الإحجام عن ترسيم الحدود مع سوريا وسواها، جواب واحد عنوانه حوكمة رديئة، بما هي مزيج من فساد مستشرٍ ومتاريس مذهبية تستحضر غب الطلب لحماية بروقراطية عفنة مستزلمة. وآخر تجليات تلك الحوكمة الرديئة  كان ملف التزوير في الجامعة اللبنانية، الجامعة الوطنية التي لعبت عبر تاريخ لبنان الحديث الدور الأكبر في تحقيق الإندماج الإجتماعي وإنتاج النخب التي دكت حصون الإقطاع وساهمت إلى حد كبير في نشر الوعي والإرتقاء بالعمل الوطني إلى مصاف الدول الديمقراطية الحقيقية. 

ما يحصل اليوم في حصرية السلاح هو محاولة للإبقاء على الحلقة المفرغة التي طالما تحكمت لعقود بمسار ومصير مشروع الدولة في لبنان، والتي استمدت ثباتها من توازن سلبي بين فاعلين إقليميين حققوا اختراقات وازنة داخل لبنان وقوى سياسية داخلية عبّرت عن نفسها عبر نظام مصلحة أنتجته منذ عقود بالرغم من إختلافاتها حول أمور عديدة، بما حوّل العلاقة بين المكونات السياسية اللبنانية ورعاتها الإقليميين إلى علاقة جدلية بحيث ينتج أحدهما الآخر ويستحضره في اللحظة المناسبة. وعبر هذه المعادلة أصبح الفساد الداخلي امتداداً للمشروع الإقليمي وجزءاً من سلاح حزب الله، وبهذا يصبح اليوم التمسك بالسلاح جزءاً من حماية المكتسبات في الداخل كما تغدو العناوين المرفوعة من استعادة الجاهزية لمواجهة العدو الإسرائيلي إلى منع الحرب الأهلية من مستلزمات المشهد السوريالي المنشود. 

يدرك حزب الله وحلفاؤه أن التمسك بالسلاح لا يمكن أن يعيد لطهران وهجها الإقليمي وموقعها في سوريا وقدرتها في الضغط على لبنان، كما أن التهويل بالحرب لا يمكنه إعادة انتاج نظام المصلحة الداخلي بعد انهيار الإقتصاد الوطني جراء الفساد، مما يعني أن التوازن السلبي الذي تحكّم بلبنان قد فقد مسوّغاته وأضحى محكوماً بالسقوط . 

وفي ما يشبه المحاولة الأخيرة التي يخوضها حزب الله وحلفاؤه للعودة بلبنان إلى المربع الأول، يغدو التمسك بالسلاح والإبقاء على قانون الإنتخابات النيابية في خدمة قضية واحدة.  ففيما لم يبق أمام طهران سوى المغامرة بلبنان عبر حزب الله لإنقاذ نفوذها في المنطقة، يغامر الرئيس نبيه بري بالدستور لإنقاذ نظام المصلحة المترنح عبر الإفتئات على الحكومة بتقديم مشروع قانون لتعديل قانون الإنتخابات، والتصدي للأكثرية النيابية الراغبة في إعادة حق المغتربين بالإقتراع أسوة بباقي اللبنانيين.

العميد الركن خالد حماده - اللواء

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا