ملك الأردن: لن نقبل باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة
أضرار الحرب تتراكم يومياً: لا مسوحات ولا إعادة إعمار
بعد مضي عامين على إعلان "حزب الله" عن جبهة "إسناد غزة"، وبدء تراكم التداعيات الاقتصادية جراء سياسة التدمير الممنهج التي انتهجتها إسرائيل ضد القرى الجنوبية، وبخاصة الحدودية منها، لا تزال معظم التقارير المتاحة تنحصر ضمن إطار زمني محدد وجزئي، وأرقام لا تعكس الحقيقة الكاملة لحجم الأضرار والخسائر التي لا تزال تتراكم يومًا بعد يوم.
فجميع التقارير تستند إلى "التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان" الصادر عن البنك الدولي في آذار 2025، الذي يقتصر على تغطية الفترة من 8 تشرين الأول 2023 إلى 20 كانون الأول 2024، ويقدّر احتياجات إعادة الإعمار بنحو 11 مليار دولار أميركي، ويحدّد الأضرار التي لحقت بالأصول المادية بنحو 6.8 مليار دولار والخسائر الاقتصادية بنحو 7.2 مليار دولار فقط. لا توجد تقديرات رسمية حديثة تغطي الأضرار في الفترة التالية حتى ما بعد كانون الأول 2024، رغم أن قيادة الجيش اللبناني ذكرت وجود أكثر من 4500 خرق لاتفاق وقف إطلاق النار. في المقابل، لا تزال السلطات اللبنانية تعتمد على أرقام البنك الدولي. بالتالي، فإن التكلفة الاقتصادية الإجمالية للحرب تفوق التقديرات المتاحة حاليًا.
هذا يعني أن الأضرار الفعلية، سواء من حيث البنى التحتية والمساكن المدمرة، أو الخسائر في القطاعات الاقتصادية، وخصوصًا قطاعي الزراعة والسياحة، ربما تكون قد تضاعفت، ناهيك عن تداعيات ذلك على الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي الهشّ أساسًا.
لا أرقام جديدة
في تصريح لـ "المدن"، لم يُقدّم الباحث في "الشركة الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين أرقامًا جديدة حول التكلفة الإجمالية للأضرار بعد مرور حوالي 11 شهرًا على وقف إطلاق النار وانحصار الأضرار في الخروقات الإسرائيلية اليومية، لكنه أشار إلى أن "عدد المساكن المدمرة بشكل كلي وصل إلى 53 ألف وحدة سكنية، تتوزع ما بين الضاحية الجنوبية لبيروت، ومناطق الجنوب والبقاع، ومناطق متفرقة أخرى". وأضاف: "هناك أيضاً 317 ألف وحدة سكنية تعرضت إلى أضرار جزئية أو كبيرة". ويقدّر شمس الدين الكلفة الإجمالية لإعادة إعمار المساكن المدمّرة كليًا أو جزئيًا بـ 9 مليارات دولار. وأشار إلى أن "الخسائر الاقتصادية غير المباشرة نتيجة تراجع الأعمال تصل إلى 4 مليارات دولار". وفيما يتعلق بالخسائر التي أصابت البنى التحتية، فقال شمس الدين إنها "وصلت إلى نحو 750 مليون دولار".
ولا مسوحات ميدانية شاملة
وفي تصريحٍ آخر لـ "المدن"، أشارت الباحثة في "استديو أشغال عامة" كريستينا أبو روفايل، التي تتابع رصد ومراقبة جهود التعافي بعد الحرب الإسرائيلية، إلى أن المعلومات والأرقام حول ارتفاع تكلفة الأضرار المتراكمة جراء الخروقات الإسرائيلية بعد سريان مفعول اتفاق وقف إطلاق النار غير متوفرة، وتحتاج إلى جهدٍ رسمي لجمعها وتحديثها. وذلك رغم المسوحات الميدانية الجزئية، إذ سجّل مجلس الجنوب حتى أيلول 2025 نحو 223 ألف و117 وحدة سكنية وغير سكنية مدمّرة كليًا أو جزئيًا.
وتشير أبو روفايل إلى أن هذه الأرقام التي يوفرها مجلس الجنوب لا تغطي الأضرار الاقتصادية أو البيئية أو الزراعية. أما رئيس مجلس الجنوب هاشم حيدر، فقد طالب في حديثٍ تلفزيوني بتمويل المجلس بمبلغ 5 مليار و200 مليون دولار لتغطية الأضرار اللاحقة بالوحدات السكنية والمحال التجارية، مشيرًا إلى أن المجلس قد بدأ في إعادة الإعمار من خلال المبالغ البسيطة الموجودة بين يديه ومن خلال ترميم 190 مدرسة.
ولا إعادة إعمار
أما فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، فقال شمس الدين: "لم تبدأ إعادة الإعمار بعد، رغم قيام الحكومة بترميم بعض المواقع والأضرار، وتمويل عمليات رفع الأنقاض، لكن مشروع الإعمار لا يزال قيد الانتظار".
والحقيقة أن إعادة الإعمار في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي مخاطرة غير محسوبة العواقب، لا سيما أن الجهات المانحة الرئيسية تشترط لتقديم دعمها شروطًا سياسية وأمنية قاسية، أبرزها حصر سلاح "حزب الله" بيد الدولة. هذا في وقت تفتقر فيه الدولة اللبنانية إلى خطة إنمائية متكاملة، بما في ذلك تحديث تقييم الأضرار والاحتياجات، كما تتخبط في أزمات سياسية وأمنية متفاقمة.
وإذ تستمر كماشة وتيرة التصعيد الإسرائيلي اليومي من جهة، وتصلّف "حزب الله" في الإبقاء على معادلة السلاح خارج مؤسسات الدولة من جهة أخرى، فإن هذه المعطيات مجتمعة تُطبق على آخر الآمال المتبقية لتحريك ملف إعادة الإعمار في اتجاه إيجابي، خصوصاً في ظل التحوّلات الإقليمية المتسارعة، خصوصاً في غزة، والتي باتت تعاكس حسابات الحزب بشكل كبير.
ولا حياة في القرى الحدودية
لم تعد الاعتداءات الإسرائيلية مقتصرة على الوحدات السكنية، حيث تشير المعطيات الميدانية إلى عدم وجود منازل صالحة للسكن في قرى مثل ميس الجبل وحولا وكفركلا وعديسة وعيتا الشعب وغيرها العديد من القرى الحدودية، بل تحوّلت إلى تدمير منهجي لمقوّمات الحياة ذاتها، عبر استهداف البنى التحتية الحيوية من شبكات المياه والكهرباء والاتصالات، وتجريف وحرق آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، وتدمير الآلات الزراعية ومصادر الري.
كما تزايدت وتيرة الاستهداف الموجه ضد الجرافات والحفارات وآليات رفع الأنقاض، كما حدث مؤخرًا في الغارات العنيفة التي استهدفت معارض الآليات والجرافات في أكثر من منطقة جنوبية. أي أن إسرائيل بدأت باستهداف كل إمكانية لإزالة آثار الدمار ورفع الأنقاض، مما يدفع بالمزيد من السكان إلى النزوح، ويعزّز واقع التهجير القسري، ويجعل الحديث عن إعادة الإعمار مجرّد سراب حتى وقف العدوان. ما يضع عملية إعادة الإعمار في مأزق حقيقي؛ فهي مرهونة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، التي بدورها مرهونة بحل الملف الأمني عبر الدولة اللبنانية أولًا.
هاني عضاضة-المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|