حضور "بلا رايات".. هل انسحب حزب الله من جنوب الليطاني فعلاً؟
كشفت مصادر عسكرية لبنانية عن مؤشرات ميدانية متزايدة تفيد بأن حزب الله لم ينسحب بشكل كامل من جنوب الليطاني، بل نفّذ إعادة تموضع مدروسة أبقت على جزء من بنيته التحتية واللوجستية تحت الأرض، في وقت تواصل فيه إسرائيل ضرباتها اليومية بذريعة منع "ترميم القدرات". وجاء ذلك بالتزامن مع تنقيب نفّذه الجيش اللبناني في بلدة تولين بحثا عن نفق أو منشأة تحت الأرض، بناء على معلومات وردت عبر آلية مراقبة وقف النار؛ ما أعاد ملف "الوجود الخفي" إلى واجهة المشهد الأمني جنوبا.
شبكة "تحت الأرض"
تفيد المصادر العسكرية اللبنانية، بأن ما تم تفكيكه أو مصادرته جنوب الليطاني خلال الأشهر الماضية "كبير ومهم"، لكنه لا يعني تلقائيا أن الخريطة التحتية للحزب أصبحت مكشوفة بالكامل. وتلفت المصادر إلى أن طبيعة الجنوب وتضاريسه، كالأحراج، وطبقات التربة، والقرى الملاصقة لخط الاشتباك، تمنح أفضلية تاريخية لمن يعرف المنطقة "مترا مترا"، وقد راكم الحزب خبرة طويلة في التحصين والتمويه، حسب قولها.
هذا التقدير لا يستند إلى "رواية حزبية" كما قالت المصادر، بل إلى معطى ميداني كرّسته تقارير دولية أيضا، قوات اليونيفيل والجيش اللبناني يواصلان العثور على أسلحة غير مصرح بها جنوب الليطاني وتفكيك بنى عسكرية غير تابعة للدولة؛ ما يعني أن المنطقة لم تُصفّر بالكامل من آثار البنية المسلحة لحزب الله.
وتعطي حادثة تولين مثالا حساسا عن ذلك، ذلك أن التنقيب جاء بعد "معلومة" عبر آلية المراقبة، وتناقلت وسائل إعلام لبنانية أن الجيش عثر على نفق. وحتى لو كان الاكتشاف جزئيا أو محدودا، فهو يعيد طرح السؤال المركزي: كم منشأة بقيت خارج عين الرقابة؟
حضور بلا رايات
مصدر أمني لبناني يصف السيناريو الأكثر ترجيحا بأنه ليس "عودة قتالية" جنوب الليطاني بالشكل التقليدي، بل إبقاء أثر لوجستي؛ كنقاط الإسناد، مخازن أسلحة صغيرة وموزعة، مسارات حركة قصيرة، وأفراد يتحركون بصيغة "مدنية" لتجنّب الالتقاط. ويضيف بأن "الانسحاب قد يكون صادقا على مستوى العلنية والسلاح الظاهر، لكنه ليس بالضرورة انسحابا من كل طبقة تحت الأرض".
وتلتقي هذه القراءة مع ما نقلته تقارير عن أن الجيش اللبناني عزّز انتشاره جنوب الليطاني بشكل كبير، مع عرض مواقع تحت الأرض وإغلاق مسارات تهريب، ما يوحي بأن هناك شيئا كان قائما فعلا وتمت ملاحقته، وفي الوقت نفسه يفتح الباب لاحتمال وجود طبقات أخرى لم تُفكك بعد.
القصف المتكرر.. "عمى استخباري"؟
على الضفة الأخرى، يبرز عنصر تحليلي تُردده أوساط لبنانية، يشير إلى أن تكرار الضربات الإسرائيلية على نطاقات جغرافية متقاربة قد يكون علامة على أن بنك الأهداف "الثابت" هو الأسهل، بينما تتحول الأهداف الأهم إلى أكثر من مراوغة.
تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ القرار 1701 أشار إلى ضربات إسرائيلية متكررة ضد "أهداف مزعومة لحزب الله" وخاصةً جنوب الليطاني، بما في ذلك أفراد "يُزعم" أنهم يعملون على إعادة تأهيل بنى إنتاج وتخزين السلاح. هذا النوع من العمليات يعكس مراقبة نشطة، لكنه في الوقت نفسه لا يثبت أن إسرائيل اخترقت بالكامل طبقة القيادة الجديدة أو أن الضربات حققت "نتائج حساسة" داخل بنية القيادة.
إعادة بناء الهرم
بحسب تقديرات المصدر الأمني اللبناني، فإن جزءا من مشكلة الاستخبارات الإسرائيلية يكمن في أن الحرب الأخيرة أصابت الصفين الأول والثاني من قادة حزب الله بضربات قاسية؛ ما دفع الحزب إلى هندسة قيادة أكثر تشتتا وأقل مركزية، حيث شرع الحزب منذ أغسطس/ آب الماضي في تشكيل قيادة عسكرية جديدة لإدارة المعركة بعد خسائر الاغتيالات؛ وهو ما يجعل نمط التعقب أصعب لأن "المركز" لم يعد واضحا كما كان.
وفي المقابل، تُصرّ إسرائيل في تصريحاتها وتقاريرها الإعلامية على أن عمليات معقدة، مثل اغتيال قيادات بارزة، تطلبت "سنوات" من العمل الاستخباري؛ ما يعني أن إسرائيل تمتلك قدرات اختراق، لكنها قد تكون أبطأ في بناء صورة كاملة عن "الجيل التالي" الذي خرج من الحرب بخبرة تمويه وتحوط أكبر.
الحسم يحتاج وقتا
لا توجد جهة قادرة اليوم على تقديم "دليل قطعي" للرأي العام اللبناني أو الدولي بأن حزب الله غير موجود إطلاقا جنوب الليطاني، كما لا يوجد ما يثبت أنه ما زال يحتفظ بالقدرة القتالية العلنية هناك كما قبل الحرب. لكن اجتماع هذه المؤشرات، (اكتشافات تحت الأرض، استمرار العثور على أسلحة غير مصرح بها، تكرار الضربات الإسرائيلية واتهامات إعادة البناء، وتبدل بنية القيادة) يرجح وفق المصادر العسكرية والأمنية سيناريو وسطا؛ يتمثل في أن حزب الله نفّذ انسحابا ظاهرا مع بقاء بنية لوجستية "تحت أرضية" قابلة لإعادة التشغيل إذا انفجرت حرب جديدة، خاصةً مع بقاء نقاط احتلال إسرائيلية وتوتر مفتوح على خط الحدود.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|