"أملاً للمستضعفين في العالم"… قاسم يشيد بصمود إيران ودور المقاومة
هل يُسلّم "حزب الله" سلاحه؟
بعد كل ما حدث من تطوّرات على الساحة اللبنانية، وفي ظلّ تبدّل موازين القوى بشكل كبير، لا سيّما على المستوى الإقليمي، وأمام الضغوط المتنامية من كل حدب وصوب لتسليم السلاح، ما هي الخيارات الباقية أمام "حزب الله"، وهل يُسلّم سلاحه؟.
بداية، لا بُدّ من التوقّف عند موقف الجانب اللبناني الرسمي المُربك تحت وطأة العجز عن وقف الإعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، وعدم القدرة على تنفيذ القرارات الدَولية بوتيرة سريعة. فلبنان الرسمي مُحرج إزاء الانصياع للضغوط الغربية -العربية التي تربط تمويل عمليّات إعادة الإعمار بفرض سيطرة القوى الأمنية الشرعية الكاملة وبحصر السلاح بيد الدولة، في الوقت الذي يتعرّض فيه لضغط شعبي مُتزايد، يُطالب بضرورة تأمين إتمام انسحاب إسرائيل من المواقع المحتلّة، والإفراج عن الأسرى، وحماية لبنان واللبنانيّين من العمليّات العدائية الإسرائيليّة اليوميّة، والمباشرة من دون مزيد من التأخير في رفع الردميّات وإصلاح الأضرار وإعادة البناء. وليس بسرّ أنّ الدولة عاجزة عن تأمين التمويل المطلوب لهذه العمليّة الضخمة وتعوّل على المُساعدات الخارجية، وفي الوقت نفسه هي غير قادرة على فرض أي تطبيق للقرارات الدَوليّة بالقوّة، ومن دون تفاهم مُسبق مع "الحزب" الذي يعتبر نفسه غير معنيّ بأي تفاهمات جانبيّة خارج تفسيره الذاتي لبنود القرار 1701.
وسط هذه المعادلة المُعقّدة والمُتشابكة، من المُنتظر أن تواصل السُلطة في لبنان في المرحلة المقبلة، محاولات تدوير الزوايا، عبر تطبيق جزئي للقرارات الدَولية، ومحاولة تعزيز قبضتها على المعابر الجويّة والبحريّة والبريّة كلّها، ومكافحة الظواهر المُسلّحة الخارجة على القانون في مختلف المناطق اللبنانية، بموازاة الرهان على أن يجري رفع الحظر الدَولي-العربي عن مدّ لبنان بالأموال التي يحتاجها لإعادة إعمار ما تهدّم، من دون ربط هذه الخطوة بشكل مباشر بمسألة تسليم سلاح "الحزب" بالكامل، مُعوّلة بذلك على فهم العالم الغربي لتعقيدات الواقع اللبناني ولحساسيّة ملفّاته والعلاقات بين مكوّناته.
بالانتقال إلى "حزب الله" فالعنوان العريض لسياسته في المرحلة الراهنة، هو "كسب الوقت"، حتى لو اتُّهِمَ من قبل خُصومه بالتهرّب والمماطلة. فالحزب يُحاول جاهدًا الاحتفاظ بوضعيته القائمة حاليًا، وبإعادة هيكلة كامل بنيته، في انتظار تبدّل الظروف السياسية والعسكرية العامة، إن محليًا أو إقليميًا أو حتى دوليًا. والمعروف أنّه في السياسة لا يُوجد شيء ثابت أو جامد. والمثال الأبرز على ذلك، أنّه في العام 1982، احتلّ الجيش الإسرائيلي كامل الجنوب وجزءًا من البقاع الغربي، ومساحات واسعة من محافظة جبل لبنان، إضافة إلى العاصمة بيروت. لكنّ هذا الواقع تغيّر سريعًا خلال فترة زمنية قصيرة، على الرغم من أنّ قدرات المنظّمات المُسلّحة المناهضة لإسرائيل آنذاك كانت محدودة جدًا، في حين أنّه اليوم ما زال "حزب الله" يحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة، على الرغم من الخسائر الجسيمة التي مُنيَ بها، والجيش الإسرائيلي لا يزال على الحدود واحتلاله يقتصر على مساحات جغرافية صغيرة جدًا، علمًا أنّ الجهات المناهضة للحزب ترى بأنّ هذه المقارنة غير واقعية، لأنّ في العام 1982، كانت الظروف المحليّة والإقليمية والدَولية مختلفة كليًا.
في كل الأحوال، رفضُ "الحزب" لتسليم السلاح لا يقتصر على الأسباب العقائدية، أي ما يؤمن به "حزب الله" دينيًا ومذهبيًا وفي ما خصّ "ولاية الفقيه"، وما يُشكّل أساس صِلاته وروابطه مع إيران، ولا على الأسباب الميدانية الداخلية لجهة رفض انكشاف لبنان عسكريًا بشكل كلي أمام إسرائيل، بل يشمل أسباب وُجود "حزب الله" برمّتها.
فكيف سيكون "الحزب" قادرًا على إقناع مُحازبيه بأن لا جدوى من العمل العسكري بعد اليوم، في ظلّ التوسّع العدواني الإسرائيلي الإقليمي الحالي المُتفلّت من أي ضوابط، وبعد عُقود من التوجيه العقائدي والتحشيد والتعبئة، والحديث عن تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة والصلاة في القدس؟! وكيف سيكون "الحزب" قادرًا على الاحتفاظ بالتمويل الإقليمي لعشرات آلاف المقاتلين والمناصرين المُستفيدين من رواتبه وخدماته، في حال تخلّى عن دوره المُسلّح الذي كان يمتد من الجنوب اللبناني إلى سوريا واليمن وُصولًا إلى البوسنة وغيرها في بعض المراحل، والتحوّل إلى العمل السياسي داخل لبنان فقط لا غير؟! وكيف سيكون "الحزب" قادرًا على الموافقة على التحوّل في موازين القوى في لبنان، وعلى فقدان أوراق قوّته التفاوضية المُتأتية من السلاح، والوقوف موقف المُتفرّج أمام التحوّلات الكبرى، داخليًا وإقليميًا، لجهة سعي أميركا لفرض رؤيتها للسلام في الشرق الأوسط بالقوة؟!.
من هنا، إنّ "حزب الله" هو حاليًا في موقف لا يُحسَد عليه. فهو غير قادر على الانتقال فجأة من رأس حربة في المشروع الإيراني الرافض لوجود إسرائيل من أساسها، إلى حزب سياسي في موقع المُتفرّج على تبدّل كامل الواقع السياسي في لبنان والشرق الأوسط، وعلى الاتجاه المُتدحرج نحو السلام والتطبيع مع إسرائيل، ولوّ بشكل تدريجي. وهو لا يمكنه في الوقت عينه المُضيّ قُدمًا في القتال أو الوُقوف بوجه هذه التحوّلات الكبرى عبر العمل العسكري بسبب تغيّر موازين القوى على مختلف الصُعد. لكن وبما أنّ السياسة هي فن المُمكن، لن يُسلّم "الحزب" سلاحه في المدى المنظور، وسيرفع الصوت عاليًا مُطالبًا بأن تُنفّذ إسرائيل ما هو مطلوب منها، لجهة الانسحاب من المواقع اللبنانية المحتلة، والإفراج عن الأسرى، ووقف الهجمات المعادية، قبل أن تبحث السلطة اللبنانية معه بشأن أي خطوات أخرى على مستوى السلاح شمال نهر الليطاني. وهو سيبقى يسعى لكسب الوقت ومحاولة التفلّت من أي التزامات تقضي بتسليم هذا السلاح، متأملًا بتبدّل الظروف مُجدّدًا في المستقبل، وبالتالي بانتهاء هذه المرحلة غير المؤاتية له إطلاقًا.
ناجي س. البستاني - النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|