الصحافة

أيّها الرئيس الشرع... إنها سوريا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يفترض أن نتوجه الى الرئيس أحمد الشرع لأن سوريا تعنينا، ولأن ما يصييب سوريا يصيبنا، حين نكون معا داخل تلك الفوضى الأبوكاليبتية التي لا ندري الى أين تودي بالمنطقة، وان كنا قد لاحظنا كيف أن بنيامين نتنياهو يريد تحويل دولنا الى مقابر، بعدما كان الكاتب الأوكراني أندريه كوركوف قد كتب "لكأن هواية دونالد ترامب اقامة الملاهي الليلية فوق القبور"!

ونقول ثانية ان سوريا لا يمكن أن تحكم بمنطق الفصائل، الآتية من قاع الايديولوجيات ومن قاع الأزمنة، بنظرتها الصفراء (وبسواطيرها)، الى الأقليات المتجذرة في التاريخ السوري، كما في الجغرافيا السورية. ما تقوم به الفصائل هو ما يبتغيه "الحاخامات" من سوريا، أي التفكيك وتحويل دمشق الى "ركام من الأنقاض" على ما ورد في "سفر اشعيا". هكذا يتم ذبح العلويين، واختطاف نسائهم، وانتهاك منازلهم وممتلكاتهم، ما داموا لا يمتلكون أي غطاء اقليمي أو دولي.

ثم ذبح الدروز، ونهب مدنهم وقراهم، وسبي نسائهم، الى أن جنح بعض قادتهم نحو بنيامين نتنياهو، حتى ولو كان الظهير هو الشيطان، اذا كانوا يتعرضون من الأشقاء ما يتعرضون له، لنسأل أي منطق ذاك أن يكون الأوزبك والأيغور والشيشان جزءا من الجيش السوري، في حين يسرّح عشرات آلاف الضباط والجنود من أبناء هذا التراب، ومن عشاق هذا التراب؟

وماذا عن المشكلة الكردية التي ندرك أن الأميركيين زرعوها كما القنبلة في الخاصرة السورية، فكانت الدعوة وبالبنادق الى انشاء كيان منفصل، وهم الذين كانوا جزءاً عضوياً من الفسيفساء السورية، ليتسلموا أعلى المناصب، من رئاسة الدولة الى رئاسة الحكومة، ومن رئاسة الأركان الى رئاسة الافتاء ورئاسة الأحزاب. ولكن ما يحدث للأقليات الطائفية والاثنية جعلهم يؤجرون ظهورهم حتى لـ "اسرائيل"...

استطراداً، ماذا عن المسيحيين الذين مثلما هم ضرورة حضارية هم ضرورة وجودية لسوريا. الهجرة النوعية هائلة والى حدود الانقراض، وهم يرون ما يرون من ويلات. وهذه احدى المصائب الكبرى التي تعيشها البلاد الآن، والتي يبدو أنها لا تنتقل من ثقافة الى ثقافة، وانما من زمن الى زمن.

أيها الرئيس الشرع، لا يمكن لدمشق بكل ذلك الألق التراثي، وحيث كنيسة حنانيا، ومقام محيي الدين بن عربي، وضريح أبي نصر الفارابي، أن تتحول الى قندهار، اذ كيف لـ"أستاذة" المدرسة أو الجامعة أن تواجه الطلبة بالنقاب، الذي لكأنه المسافة الضوئية بين الأستاذ والطالب، فيما يفترض بنا التفاعل مع ديناميات القرن وحتى مع... جنون القرن.

كل ما تناهى الينا من الرئيس السوري يوحي بمواصفات رجل الدولة، ويليق به أن يكون رئيس الدولة، دون أن يعنينا ماضيه اذا كان قد خلع فعلاً شخصية أبي محمد الجولاني. ولكن هل أن ما يحدث على الأرض هو الطريق من الصيغة التوتاليتارية الى الصيغة الديموقراطية ؟ ثمة أناس داخل الأكثرية الطائفية يتعاملون مع رجال الطوائف الأخرى كرهائن، ومع النساء كسبايا...

العلويون الذين كانوا ضحايا الدرجة الأولى لنظام بشار الأسد، هم قتلى الدرجة الأولى في زمن التغيير. انتفاضتهم السلمية كانت وتبقى ضرورية لوقف مسلسل الدم، ومسلسل الرعب الذي يواجهونه في المنزل وفي الشارع وفي العمل، بعدما تم طرد مئات الآلاف من وظائفهم ليروا أنفسهم على حافة الجوع. ولكن أن تعلوا أصوات الغضب في ادلب، وهي واحة الزيتون كرمز لسلام، داعية للاقتصاص، عبر مكبرات الصوت في المآذن، وبالسواطير من "أولئك الكفرة" !!

أيها الرئيس الشرع... انها سوريا التي فتنت نخبة فلاسفة ومؤرخي الغرب. الفرنسي جان ـ بيار فيليو قال "نصفنا الآخر في سوريا". وهذا الكلام أيضاً للرئيس رجب طيب اردوغان علّه يخرج من الغيبوبة العثمانية أو السلجوقية، ويتخلى عن ذلك الهاجس العبثي، بل والهاجس القاتل، باحياء السلطنة، ليدرك ما يدور حوله. انفجار سوريا لا يعني فقط انفجار لبنان، وانفجار العراق، فقط بل وانفجار تركيا أيضاً، اذا لاحظنا كيف أن رئيس الحكومة الاسرائيلية يطارد الرئيس التركي من ضفاف البحر المتوسط والى ضفاف البحر الأحمر، وحتى في عقر داره.

واذا كانت حلب ملتقى القوافل من أرجاء الدنيا، فان دمشق كانت ملتقى الثقافات من أرجاء الدنيا. شاهدنا فيها عروضاً لبريخت وبيكيت وكوكتو، مثلما شاهدنا مسرحيات لسعد الله ونوس ولتوفيق الحكيم، كذلك عروضاً سينمائية لستانلي كوبريك وانغمار برغمان وفيديريكو فلليني. مثلما شاهدنا أفلاماً ليوسف شاهين والأخضر حامينا ومارون بغدادي.

كيف لهذه المدينة أن تتكيف مع ثقافة الكهوف، بعدما كان نزار قباني قد قال فيها "فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا"...، وقال فيه سعيد عقل "... وأين في غير شام يطرب الحجر"؟ وقال محمود درويش "ونحن والأبدية سكان هذا البلد"!

هكذا يريد الآخرون من سوريا، سواء كانوا من الأقربين أم من الأبعدين ، الجارية في بلاط السلطان. ولكن لنحدق في المشهد أكثر، الأميركيون يريدون للدول التي تحيط بـ "اسرائيل" أن تكون دولاً ميتة من الداخل (مقابر لأهلها)، ومشرعة لذلك النوع من "الحاخامات" الذين يرون فينا (رجاء العودة الى النص التوراتي) كائنات غرائبية بأرواح الحيوانات وباشكال البشر.

أيها الرئيس الشرع، اقرأ سوريا بعين سورية لا بعين دونالد ترامب، ولا بعين رجب طيب اردوغان. بطبيعة الحال لا بعين زعيم "طالبان" هبة الله أخوند زادة...

نبيه البرجي-الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا