الصحافة

إخلاء مفاجئ وغامض... سكان شرق غزة أمام تهجير جديد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في تطوّر غير مسبوق تشهده مدينة غزة، أُجبر سكان مربع سكني محاذٍ لما يُعرف بالخط الأصفر، وهو الخط الفاصل ميدانيًا بين مناطق انتشار إسرائيل ومناطق نفوذ حماس، في حي التفاح شرق المدينة، على إخلاء منازلهم بالكامل تحت تهديد السلاح، في خطوة أعادت إلى الواجهة تعقيدات الواقع الميداني شرق القطاع، حيث يتداخل الوجود السكاني مع العمليات العسكرية ومسارات الانسحاب الإسرائيلي والفراغات الأمنية.

ويُعدّ الخط الأصفر أحد أبرز معالم المرحلة التي تلت اتفاق وقف إطلاق النار، إذ قدّمته إسرائيل كخط انسحاب أوّلي لقواتها من بعض المناطق الشرقية، على أن تبقى المناطق الواقعة غربه مأهولة بالسكان ومصنّفة آمنة نسبيًا. إلا أنّ التطورات الميدانية أظهرت أن هذا الخط لم يكن ثابتًا، بل جرى توسيعه تدريجيًا بفعل القصف والتهديدات والتحركات غير المباشرة، ما حوّله عمليًا إلى أداة لإعادة رسم الجغرافيا السكنية، ودفع السكان إلى موجات نزوح متكرّرة من مناطق عادوا إليها بعد فترات قصيرة.

وبحسب مصادر ميدانية تحدّثت لصحيفة «الشرق الأوسط»، فإن عناصر مسلّحة تتبع ما يُعرف بـ«مجموعة رامي حلس» اقتربت فجر الخميس من ما تبقّى من منازل المواطنين في منطقتي الشعف والكيبوتس، وأطلقت النار في الهواء قبل أن تنسحب، ثم عادت ظهر اليوم نفسه مطالبةً السكان بالإخلاء الكامل، ومُمهلةً إياهم حتى غروب الشمس، مع التهديد بإطلاق النار على كل من لا يلتزم بذلك.

وتُعدّ مجموعة رامي حلس تشكيلًا مسلّحًا محليًا محدود النفوذ، برز خلال الحرب في الأحياء الشرقية لمدينة غزة، ولا سيّما في مناطق التماس القريبة من الخط الأصفر. ووفق مصادر فلسطينية، لا تُصنّف هذه المجموعة ضمن البنية التنظيمية أو العسكرية الرسمية لحركة حماس، ولا تعمل ضمن تسلسل قيادي واضح، بل تنشط في مساحة رمادية نشأت بفعل تآكل السيطرة الميدانية في بعض المناطق الحسّاسة.

وتؤدّي هذه المجموعة أدوارًا ميدانية ضيّقة، أبرزها نقل التهديدات وفرض الإخلاءات، من دون أن تكون صاحبة قرار استراتيجي، ما يجعل تحرّكاتها مثار جدل واسع، خصوصًا عندما تتقاطع نتائجها مع أهداف إسرائيلية على الأرض.

وأوضحت المصادر أن عناصر المجموعة لم يقتربوا مباشرة من السكان، بل خاطبوهم من مسافة مئات الأمتار عبر مكبّر صوت صغير، مدّعين أن الإخلاء يأتي تنفيذًا لأوامر من الجيش الإسرائيلي الذي يسيطر على المناطق الواقعة شرق الخط الأصفر، والتي تبعد أكثر من 150 مترًا عن أماكن سكن تلك العائلات.

ولا توجد، بحسب المعطيات المتوافرة، دلائل علنية أو موثّقة على وجود تنسيق مباشر بين هذه المجموعة وإسرائيل، غير أن تحرّكها أدّى فعليًا إلى تفريغ المنطقة من سكانها، بما يخدم توسيع السيطرة الإسرائيلية من دون تدخل عسكري مباشر، ويخفّف الاحتكاك مع المدنيين.

وأمام هذه التهديدات، اضطرّ السكان إلى النزوح فعليًا باتجاه مناطق غرب مدينة غزة، في رحلة نزوح جديدة ومرهقة، وسط ظروف إنسانية قاسية. وقدّرت المصادر أن أكثر من 240 شخصًا كانوا يقيمون في المنازل المتضرّرة المتبقية في المنطقة، وبعضهم في خيام، وجميعهم أُجبروا على المغادرة، رغم عودتهم قبل فترة قصيرة إلى ما تبقّى من بيوتهم بعد انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية.

وفي السياق نفسه، أفادت المصادر بأن القوات الإسرائيلية كانت قد ألقت، مساء الثلاثاء والأربعاء، براميل صفراء اللون غير متفجرة في تلك المناطق، من دون أن تطلب حينها من السكان الإخلاء، في خطوة اعتُبرت رسالة ضغط غير مباشرة. وترى المصادر أن استخدام مجموعة مسلحة محلية لفرض الإخلاء جاء استكمالًا لهذه السياسة، وهدفه تفريغ مناطق إضافية كانت تُعدّ ضمن النطاق الآمن، تمهيدًا لتوسيع السيطرة شرق الخط الأصفر.

وتشير المعطيات الميدانية إلى أن القوات الإسرائيلية وسّعت خلال الأسابيع الماضية نطاق هذا الخط، بحيث بات يعني فعليًا السيطرة على مساحة إضافية تزيد على 150 مترًا، بعرض يقارب 300 متر، داخل عمق حي التفاح، ويجري هذا التمدّد تدريجيًا عبر مزيج من القصف، والتهديد، وخلق بيئة طاردة للسكان، ما يسمح بابتلاع الأحياء الشرقية خطوة بعد خطوة.

ويأتي ذلك ضمن سياق أوسع يتمثّل في سعي إسرائيل إلى إقامة منطقة عازلة بعمق لا يقل عن كيلومترين ونصف من المناطق الشرقية للقطاع، وتحديدًا من شارع صلاح الدين، وهو الشريان الحيوي الذي يربط شمال غزة بجنوبها، وصولًا إلى الحدود التي كانت قائمة قبل السابع من تشرين الأول 2023. وقد شكّل هذا الشارع هدفًا عسكريًا محوريًا خلال الحرب، حيث سعت القوات الإسرائيلية إلى قطعه والسيطرة على محيطه لما له من أهمية استراتيجية في التحكم بالحركة داخل القطاع.

وفي موازاة ذلك، تتواصل الخروقات الإسرائيلية في قطاع غزة، حيث سُجّل استشهاد فلسطيني وإصابة آخرين جرّاء قصف نفذته طائرة مسيّرة في بيت لاهيا شمال القطاع، فيما أُصيب آخرون بنيران طائرات مسيّرة وآليات إسرائيلية، إلى جانب قصف مدفعي وغارات جوية استهدفت مناطق شرق خان يونس وشمال رفح.

وبحسب الإحصاءات، ارتفع عدد ضحايا هذه الخروقات منذ وقف إطلاق النار في العاشر من تشرين الأول 2023 إلى أكثر من 413 فلسطينيًا، فيما تؤكد حركة حماس أن عدد الخروقات تجاوز 900، معتبرة أن تمدّد الخط الأصفر وإفراغ المناطق المحيطة به، سواء عبر القصف المباشر أو أدوات ميدانية غير مباشرة، يشكّل مساسًا جوهريًا بالاتفاق، ويعيد إنتاج مشهد النزوح القسري تحت عناوين أمنية متغيّرة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا