الحاكم لا يحمي المصارف أو المصرفيين بل الاستقرار المالي
في النقاش الجاري على طاولة مجلس الوزراء لمشروع قانون استعادة الانتظام المالي واسترداد الودائع (الفجوة المالية)، وما يتسرب إلى الإعلام، أسئلة عدة تطرح عن موقف حاكم المصرف المركزي كريم سعيد من المشروع، في ظل ما يتردد عن أنه يقف إلى جانب المصارف في الدفاع عن مصالحها. والواقع أن الحاكم يتعرض منذ شروع الحكومة في مناقشة المشروع، لحملة يقودها المتضررون من التعاميم الصادرة عن المركزي في شأن مكافحة اقتصاد "الكاش" والتحويلات المالية، وذلك من خلال التصويب على الحاكم ووصفه بأنه حليف المصارف، في استعادة لتجربة العلاقة التي كانت سائدة بين المصارف والحاكم السابق.
وتستفيد بعض المصارف من هذه الحملة لدفع الحاكم إلى تخفيف الضغوط التي يتعرض لها القطاع المصرفي بفعل البنود الواردة في مشروع القانون والتي تعتبرها المصارف مجحفة وقاسية في حقها.
مشكلة المصارف أنها لم تتلقف المشروع بإيجابية، كما نصحتها أكثر من جهة، وتسعى إلى تحسين الشروط المفروضة عليها من خلال المطالبة بمهلة زمنية لإعادة هيكلة أوضاعها وزيادة رساميلها، بما يتيح لها المساهمة في تحمل ما سيتوجب عليها بفعل المشروع من خسائر، لا يمكنها الاستمرار في إنكارها وإلقاء مسؤوليتها على الآخرين، بذريعة أنها كانت ملزمة التوظيف لدى المصرف المركزي ولم تكن تملك خيارات أخرى، علماً أن ثمة من يسأل لو ألزمت الدولة المصارف التوظيف في الذهب مثلاً، هل كانت لتعترف بأرباحها وتتقاسمها مع عملائها؟
المصارف أبدت ردة فعل انفعالية وذهبت فوراً إلى مهاجمة المشروع والتصويب عليه، رغم معرفتها أن صيغته تعمدت حمايتها من المحاسبة والمساءلة، من خلال عدم اقتراح التدقيق الجنائي المعروف النتائج سلفاً.
لقد وضعت المصارف الحاكم في موقف لا يحسد عليه، فهو الناظم بموجب القانون للقطاع المصرفي، وملزم أن يحمي النظام المالي والمصرفي ويؤمن حسن سيره وانتعاشه، لما له من دور أساسي في إنعاش الاقتصاد وتعزيز الاستثمار. والواقع أن المركزي متهم بأنه إما يفعل الكثير وإما العكس، علماً أنه سيتحمل حصة الأسد من الخسائر التي تصل إلى ٦٠ في المئة من المدفوعات النقدية و٨٠ في المئة من أي عمليات سداد بأسهم أو أصول. هل يمكنه أن يفعل أكثر؟ ربما، تجيب مصادر مالية مطلعة، ولكن هل يتوجب عليه ذلك؟ حتماً لا. لأن المصرف المركزي هو الناظم والضامن، وتجريده من كل سيولته وموجوداته يعني أنه لن يعود هناك مقرض أو ملاذ أخير للقطاع المصرفي لإنقاذه. أما المصارف فهي ملزمة إعادة الرسملة واستعادة ملاءتها المالية. ولا بد من الاعتراف بأن المصارف خسرت حقوق الملكية الخاصة بها، وحيازتها سندات الأوروبوندز مشكوك فيها وتشوبها علامات الاستفهام، وهي تعيش أزمة ثقة بعدما فقدت عملاءها، وباتت في حال تعثر وشبه إفلاس.
في بيانه الأخير الذي يبدي رأيه في مشروع القانون، في رد مباشر على الانتقادات التي تطاله، وتحت بند حماية القطاع المصرفي، أكد الحاكم أنه "في إطار الحفاظ على الاستقرار المالي، يُبدي تحفّظات جدّية تستند إلى مبادئ قانونية راسخة، ومعايير محاسبية معتمدة، وسوابقدولية إزاء أي مقاربة من شأنها أن تؤدي إلى الاستنزاف المنهجي أو الإلغاء الكامل لرأس المال الخاص بالمصارف قبل إزالة
المطالبات غير النظامية من ميزانياتها العمومية، وقبل التطبيق اللاحق لتدرّج ترتيب المطالبات.
وبموجب قانون الاستقرار المالي وسداد الودائع (FSDR)، تُعدّ المصارف التجارية شريكة في إطار سداد الودائع، وتشكل المحرّك الأساسي للوساطة الائتمانية اللازمة لتحقيق التعافي الاقتصادي.
وعليه، فإن أي حلّ يؤدي إلى القضاء المنهجي على رؤوس أموال المصارف من شأنه أن يلحق ضرراً بالمودعين، ويقوّض آفاق التعافي الاقتصادي، ويُعمّق توسّع الاقتصاد النقدي غير الرسمي".
سابين عويس -النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|