«حلب» تسابق الانفجار: الاشتباكات تهزّ الاتفاق مع «قسد» وتفتح باب الضغوطات الدولية
قبل أيام قليلة من انتهاء المهلة المحددة لتنفيذ الاتفاق الموقّع في 10 مارس/آذار الماضي بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عادت الأسئلة الثقيلة إلى الواجهة: هل يواجه الاتفاق خطر التعطيل؟ أم أن ما شهدته حلب ليس أكثر من رسالة ضغط في اللحظات الأخيرة؟
الاشتباكات التي اندلعت في المدينة، وأسفرت عن قتلى وجرحى ونزوح عشرات العائلات، وضعت الاتفاق في اختبار ميداني مباشر، في توقيت بالغ الحساسية سياسيًا وإقليميًا.
نار على خطوط التماس: ماذا جرى في حلب؟
اندلعت المواجهات في محيط دوّاري شيحان والليرمون، المتاخمين لحيّي الأشرفية والشيخ مقصود الخاضعين لسيطرة «قسد»، وهما الاستثناءان البارزان في مدينة تخضع بمعظمها لسيطرة الحكومة السورية.
وبحسب مديرية صحة حلب، أسفرت الاشتباكات عن سقوط أربعة قتلى وتسعة مصابين. التوتر السريع أدى إلى إغلاق طريق غازي عنتاب الواصل إلى الطريق الدولي، كما أُغلقت مصانع عدة في محيط الاشتباكات، وسط كثافة نيران أجبرت الأهالي على النزوح المؤقت.
ورغم تبادل الاتهامات بين الطرفين بشأن الجهة التي بدأت الهجوم، إلا أن قرب خطوط النار كشف هشاشة الوضع الأمني القائم على تماس دقيق، قابل للاشتعال في أي لحظة.
اتفاق تحت الضغط: ورقة تفاوض أم إنذار مبكر؟
يرى مراقبون أن هذه الاشتباكات لا تعني بالضرورة انهيار اتفاق 10 مارس، بل قد تكون استخدامًا للميدان كورقة ضغط لتحسين شروط التنفيذ. فالاتفاق، في جوهره، يتطلب إعادة تعريف العلاقة بين «قسد» والدولة السورية، أمنيًا وعسكريًا وإداريًا، وهي عملية معقّدة لا تُحسم بالنصوص وحدها.
في المقابل، يحذّر آخرون من أن تكرار المواجهات في مناطق حساسة مثل حلب قد يفرغ الاتفاق من مضمونه، ويحوله إلى إطار نظري غير قابل للتطبيق، خصوصًا إذا ترافق مع تدخلات إقليمية أو حسابات محلية ضيقة.
التوقيت الإقليمي: الوفد التركي في دمشق
زاد من حساسية المشهد تزامن الاشتباكات مع زيارة وفد تركي رفيع المستوى إلى دمشق، ضم وزيري الخارجية والدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات.
تركيا، التي تنظر إلى ملف «قسد» باعتباره ملفًا أمنيًا استراتيجيًا، لا يمكن فصل حضورها عن مسار الأحداث. فهاجس قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية يدفعها، بحسب مراقبين، إلى الضغط باتجاه تنفيذ الاتفاق ضمن مهلة محددة ودون تعديلات.
رواية «الإدارة الذاتية»: اتفاق بلا شراكة
في قراءة كردية للأحداث، قال عبد السلام أحمد، ممثل «الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا» في لبنان لموقع جنوبية، إن الاشتباكات «ليست الأولى ولن تكون الأخيرة»، معتبرًا أن الحكومة السورية «لم تنقذ اتفاق 10 آذار»، خصوصًا لجهة الاعتراف بالحقوق الكردية والشراكة السياسية.
وأشار إلى أن الحكومة «شُكّلت من لون واحد»، وأن التعيينات في ادارات الدولة المدنية والعسكرية جرت بشكل أحادي، مع غياب أي اعتراف بالشراكة، إضافة إلى عدم عودة مهجّري عفرين الأكراد إلى مدينتهم، كما نصّ الاتفاق.
وأكد أحمد أن الحيين الكرديين في حلب محاصران، ولا مصلحة لساكنيهما بفتح معركة مع جيش الحكومة السورية الاقوى عسكريا وميدانيا، مشددًا على عدم وجود سلاح ثقيل في الحيين بموجب الاتفاق، ومتهمًا الجيش السوري ببدء الهجوم، بدعم وتحريض تركي واضح، فـ”ليس مصادفة ان تندلع الاشتباكات اثناء وصول وفد حكومي تركي الى دمشق”.
رواية مقابلة: «قسد» تعرقل التنفيذ
في المقابل، قدّم الناشط السياسي السوري الدكتور عبد الرحمن الحاج قراءة مغايرة، معتبرًا أن اتفاق 10 حزيران ينص صراحة على دمج قوات «قسد» ضمن قوات الحكومة السورية.
وبرأيه، فإن «قسد» لا ترى مصلحة حقيقية في تنفيذ الاتفاق، لأن مشروعها مرتبط بالمشروع الكردي في المنطقة، وهي تتعرض لضغوط من تركيا والولايات المتحدة لتنفيذ الاتفاق الذي جرى برعايتهما قبل عام.
واضاف: “ان اللامركزية التي تطرحها قسد مرفوضة لانها مقدمة للقضاء على وحدة سوريا، فسوريا حسب الاتفاق ستكون موحدة بجيش واحد وسلطة مركزية واحدة وحكومة واحدة”.
وبرأي الدكتور الحاج، فان “من بدأ القتال هم قسد في حي الشيخ مقصود، الذين فتحوا النار على احياء حلب وقصفوها لساعات متواصلة، وسقط جميع القتلى وغالبية الجرحى من خارج الحيين الكرديين” على حدّ قوله، وذلك “من اجل استدراج القوات السورية الحكومية الى الرد بقوة وارتكاب مجزرة تثير الراي العام الدولي”، وهذا برأيه يفسح المجال بعدها لـ”قسد” ان “تتملص من تطبيق الاتفاق بحجة استخدام العنف من قبل الجيش السوري ضد المدنيين”، وهو، حسب قول الدكتور الحاج، “ما تنبهت اليه الحكومة وافشلته بردها العسكري المدروس وغير المبالغ به على الاعتداءات الكردية”.
وقف النار… إلى أين؟
إعلان وقف إطلاق النار وعودة الهدوء النسبي إلى حلب خفّضا منسوب التوتر، لكنهما لم يجيبا عن السؤال الجوهري: هل ما جرى كان آخر اختبار قبل التنفيذ، أم أول إشارة على تعثّر الاتفاق؟
حتى الآن، يبدو أن الأطراف المعنية تفضّل إبقاء الاتفاق حيًا، ولو على جهاز التنفس السياسي، بانتظار تسوية أوسع تراعي التوازنات المحلية والإقليمية. غير أن حلب، بثقلها الرمزي والعسكري، قد تكون الساحة التي تحسم المصير: تنفيذ متعثر… أو انفجار مؤجل.
وسام الامين - جنوبية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|