الصحافة

إسرائيل جنوباً وتركيا شمالاً:لبنان وسوريا ميدان نزال ومقايضة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بالتزامن مع زيارة الوفد التركي للعاصمة السورية دمشق، شهدت مدينة حلب توتراً بين قوات سوريا الديمقراطية والدولة السورية. لا ينفصل الاشتباك الذي وقع في حلب عن مضمون المؤتمر الصحافي لوزيري خارجية سوريا وتركيا، إذ إنهما حمّلا معاً قوات سوريا الديمقراطية مسؤولية عدم تطبيق اتفاق 10 آذار والمماطلة في ذلك. بدت اللهجة التحذيرية واضحة، وهي تدفع الكثيرين الى الاعتقاد بأن هذا الاجتماع قد يفتح الطريق أمام شنّ عملية عسكرية سورية مدعومة من تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية، في حال لم يتم الوصول إلى صيغة اتفاق. تتضارب القراءات حول هذا المسار، بين من يعتبر أن الحل السياسي ممكن، وأنّ ما يجري من قبل دمشق وأنقرة هو مزيد من الضغط على قسد، ورأي آخر يعتبر أن الحل غير ممكن، والاتجاه سيكون لعملية عسكرية. 

رهانات إسرائيل

المفارقة، أن مضمون كلام وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني حمل في طياته مزجاً للمشكلة مع قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى رفع السقف تجاه إسرائيل واعتداءاتها. وهو الأمر الذي تقاطع فيه مع كلام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان. وهو ما يعطي انطباعاً واضحاً حول المشكلة الكبرى في سوريا، وهي تأخذ بعداً على مستوى المنطقة بين تركيا وإسرائيل. طوال السنوات الماضية، اعتبرت إسرائيل أنها تتنافس في المنطقة مع إيران وتركيا كدولتين لديهما مشاريع خارج حدودهما، في حين لم يكن هناك مشروع عربي واضح المعالم، فراهنت تل أبيب على خوف العرب من المشروع الإيراني أو المشروع التركي لدفعهم  إليها والدخول في اتفاقات معهم. على مدى الأشهر الماضية، وبعد عملية 7 أوكتوبر، وجّهت إسرائيل ضربات قاسية لإيران وحلفائها، ولا تزال تلوّح بشن عملية عسكرية جديدة ضدها، كما ضد حزب الله وفصائل عراقية، في إطار "إنهاء النفوذ الإيراني" في المنطقة. 

تقسيم دول عدة

حالياً، تريد إسرائيل مقارعة المشروع التركي في المنطقة وتقويضه، بينما تركيا تنظر إلى المشروع الإسرائيلي بأنه تهديد للمنطقة ككل. وأهداف تل أبيب تصل إلى المساس بالأمن القومي للدولة التركية، وتسعى إلى تقسيم المنطقة. وهذا التقسيم سيستهدف دولاً عديدة. لذا تعتبر تركيا أنه لا بد من التعاون مع الدول العربية والإقليمية لمواجهة هذا المشروع الإسرائيلي. 

وحدة الدولة

تنطلق تركيا، كما دول أخرى داعمة لسوريا، من فكرة "حصر السلاح بيد الدولة" والحفاظ على وحدة الدول. وهذه الشعارات أصبحت مرفوعة وتتردّد في دول عديدة، أبرزها العراق، سوريا ولبنان في هذه المرحلة. وتستند أنقرة ودمشق إلى تفاهمات مع دول عربية عديدة، ومع الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يشكل تعارضاً مع الرؤية الإسرائيلية. فإسرائيل تسعى إلى قضم مساحات من جنوب سوريا وجنوب لبنان، بالإضافة إلى فرض شروط قاسية عليهما، كما على العراق، في إطار تصورها للمنطقة وتركيبتها وتوازناتها. كما تسعى إسرائيل إلى بناء تحالفات من شأنها أن تشكل سداً في مواجهة أي تقدّم تركي. وفي هذا الإطار يندرج الاتفاق مع قبرص واليونان حول النفط وفي مجالات دفاعية، وفي السياق نفسه يندرج اتفاق الغاز مع مصر. 

حصر السلاح بأيدي الدول

رمزية وأهمية الزيارة التركية إلى سوريا، خصوصاً أنها جمعت وزير الخارجية، وزير الدفاع ورئيس المخابرات، أنها تضع إطاراً عاماً للعلاقة ولكيفية إدارة الأمور في المرحلة المقبلة، على المستويات الأمنية، الاستخبارية، العسكرية والسياسية. وهذا لا يمكن أن يبقى محصوراً ضمن الجغرافيا السورية وحدها. بالعودة إلى القناعة التركية حول "حصر السلاح بأيدي الدول" وإنهاء الحالات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدول، كما هو الحال بالنسبة إلى قناعة تركيا تجاه حركة حماس وإعلان المسؤولين الأتراك استعداد حماس للتخلي عن السلاح، فهذا ينطبق على رؤيتها تجاه قسد، وتجاه حزب الله أيضاً. 

انفتاح على الجميع

معلوم، أنه قبل فترة دخلت تركيا على خط الكلام مع حزب الله حول المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى منع حصول أي توتر بين سوريا والحزب، وهو ما جرى نقاشه بين الأتراك والإيرانيين أيضاً، خصوصاً أن تركيا لا تريد تهديد استقرار سوريا، وخصوصاً من الساحل السوري. في المقابل، هناك من فسّر هذا الانفتاح التركي على حزب الله بوصفه محاولة لإعادة انتاج الحزب عسكريا ودعمه، بينما الهدف التركي أبعد من ذلك، وهو التواصل مع كل القوى في لبنان، وتمرير رسائل للإسرائيليين بقدرة أنقرة على توسيع هامش مناورتها ضدها. وعليه، فإن تركيا يمكنها أن تكون عنصراً من المشكلة أو الحلّ بالنسبة إلى إسرائيل، لا سيما أنه بعد سقوط نظام الأسد أصبح حزب الله مطوقاً بالكامل، من إسرائيل جنوباً، ومن سوريا شمالاً وشرقاً، وهنا يكمن التأثير التركي. 

النقاش مع حزب الله 

لدى سؤال الأتراك عن فحوى النقاش مع حزب الله، وإمكانية لجوء تركيا إلى تعزيز قدرات الحزب وإعادة تمرير الأسلحة إليه، كان الجواب بأن الظروف تغيرت، وقرار إنهاء حالات التسلح هو قرار أميركي، ولا يمكن لتركيا أن تكون في مواجهة هذا القرار. ولكن في المقابل، من الممكن لتركيا وانطلاقاً من علاقتها مع إيران وحزب الله، وعلاقتها بسوريا أن تلعب دوراً أساسياً في مسألة تحصيل مكتسبات، من بينها رفع كل أشكال الدعم عن قوات سوريا الديمقراطية، في مقابل إكمال الطوق على حزب الله ومنع إدخاله للسلاح بأي شكل. 

عتب على لبنان

تعلم تركيا أن الوجود والنفوذ في سوريا، سيكون لهما تأثيرات تمتد إلى دول أخرى. وهنا لا يمكن إبعاد لبنان عن كل هذه التطورات أو المسارات،  في ظل اشتداد المواجهة التركية الإسرائيلية في سوريا وشرق المتوسط، لا سيما أن إسرائيل تضغط على لبنان في سبيل الدخول باتفاقات اقتصادية، هدفها الوصول إلى اتفاق على ملف الغاز وكيفية التنقيب والاستخراج والتصدير لاحقاً، وهو ما تريده إسرائيل أن يكون حكراً عليها. بينما تركيا أبدت عتباً على توقيع لبنان لاتفاق ترسيم الحدود مع قبرص من دون التنسيق معها. وذلك سيكون له أثره على ترسيم الحدود اللبنانية السورية من جهة، والسورية القبرصية من جهة أخرى. 

اتفاق أضنة

عملياً، تريد إسرائيل منطقة خاضعة لنفوذها وسيطرتها في جنوب سوريا وجنوب لبنان. أما تركيا فتريد الحفاظ على نفوذها في سوريا، وتحديداً في شمالها، بينما كان لديها طموح بإنشاء قواعد عسكرية في وسط البلاد، وهو ما سعى الإسرائيليون إلى منعه عسكرياً. في المقابل، من الواضح أن النقاش بين أنقرة ودمشق يستهدف البحث في تعديل اتفاق أضنة 1998، وهو اتفاق وقّع مع حافظ الأسد حينها، وينص على إمكانية تدخل تركيا عسكرياً في سوريا للحفاظ على أمنها القومي، ومواجهة حزب العمال الكردستاني، ويتيح لتركيا الدخول إلى سوريا بمسافة 5 كلم. بينما الهدف اليوم هو توسيع نطاق المساحة التي يمكن لتركيا الدخول إليها، لا سيما أن أنقرة تريد أن تكون الممسكة بإدارة كل الملف الكردي على مستوى المنطقة، وخصوصاً في سوريا والعراق، وهذا ما تتفاوض عليه مع الأميركيين. بينما هناك دول كثيرة تسعى للإمساك بورقة "الأقليات"، فإسرائيل تعتبر نفسها المعنية بذلك. كما أن دولاً كثيرة، بينها فرنسا، تسعى إلى رفع شعار الأقليات وبناء علاقات معهم لحمايتهم، ولا سيما مع الأكراد ومع العلويين، وهذا أيضاً مشروع تنافس جديد بين تركيا من جهة وفرنسا من جهة أخرى، وستكون له آثاره على لبنان، أيضاً. 

منير الربيع - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا