متفرقات

مشروبات الطاقة تحت المجهر... حالة جلطة تفتح ملف الأخطار المحتملة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في السنوات الأخيرة، خرجت مشروبات الطاقة من خانة "المنبه السريع" إلى منتج يُسوَّق بوصفه جزءاً من نمط حياة نشط وآمن، خصوصاً بين الشباب والمراهقين. لكن تقارير طبية ودراسات علمية تعيد دق ناقوس الخطر حيال الاستهلاك المفرط لهذه المشروبات، مع مؤشرات إلى ارتباطها بارتفاع ضغط الدم واضطرابات نظم القلب، وربما مضاعفات دماغية لدى بعض الفئات.
وفي 9 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، نشرت مجلة BMJ Case Reports تقريراً طبياً يوثق حالة رجل في الخمسين من عمره أصيب بجلطة دماغية حادة، رغم غياب عوامل الخطر التقليدية. وبعد سلسلة فحوص لاستبعاد الأسباب المحتملة لارتفاع ضغط الدم الثانوي، لم تظهر نتائج غير طبيعية.

غير أن ضغط دم المريض عند الدخول كان شديد الارتفاع، ثم انخفض جزئياً أثناء تنويمه في المستشفى، قبل أن يعود إلى الارتفاع بعد الخروج ويظل مرتفعاً رغم استخدام خمسة أدوية خافضة للضغط.

التحول المفصلي جاء عندما كشف المريض، بعد استجواب أكثر تفصيلاً، أنه يستهلك في المتوسط ثماني عبوات يومياً من مشروبات الطاقة لسنوات، تحتوي كل عبوة على 160ملغ من الكافيين. وبعد التوقف عن هذا الاستهلاك، عاد ضغطه إلى القيم الطبيعية، وتمكن الأطباء من سحب أدوية الضغط بنجاح.

بين التحذير والتهويل
"النهار"  حاورت إحدى الطبيبات المشاركات في إعداد التقرير، الدكتورة مارتا كويل، التي شددت على أن التقرير "لا يثبت بشكل قاطع" وجود علاقة سببية مباشرة بين مشروبات الطاقة والجلطة. وقالت إن فريقها تعمد توضيح هذا القيد لأن دراسة الحالة، بطبيعتها، لا تسمح بالتعميم العلمي.

وأضافت أن ترجيح دور مشروبات الطاقة "جاء بعد استبعاد كل التفسيرات الممكنة عبر الفحوص"، إلى جانب ملاحظة "زوال ارتفاع ضغط الدم بعد التوقف عن تناولها"، وهو ما اعتبرته قرينة تدعم احتمال السببية من دون أن تحسمها.

وتابعت: "هدفنا أساساً من توثيق هذه الحالة هو لفت الانتباه إلى القضية كي تُستكشف على نطاق أوسع، وربما تحفز مزيداً من التجارب والدراسات لتحديد ما إذا كانت هناك علاقة سببية مباشرة أم لا".

هل ثماني عبوات "استثناء"؟
تقول كويل إن الأطباء "لا يسألون عادة" مرضاهم عن مشروبات الطاقة بشكل منهجي، لذا "يصعب جداً" تحديد متوسطات أو كميات موصى بها كما هو الحال مع الكحول، لغياب دراسات كافية. ومع ذلك، وصفت شرب ثماني عبوات يومياً بأنه "كمية استثنائية".

وحول عتبة الخطر، أوضحت أن المسألة تعتمد على عمر المريض وحالته الصحية وعوامل أخرى، وقد يكون من الصعب وضع رقم ثابت لمشروبات الطاقة ذاتها، لكن يمكن الاسترشاد بالحدود المعروفة للكافيين والسكر وتطبيقها على مشروبات الطاقة وفق محتواها، مع الانتباه إلى أن القهوة ومشروبات الطاقة تختلف في التركيز والحجم والتكرار، وأن حساسية الأفراد على الكافيين متفاوتة.

وبحسب مراجع دولية، يعد استهلاك حتى 400 ملغ من الكافيين يومياً آمناً عادة لمعظم البالغين الأصحاء (قرابة 4 أكواب قهوة مخمرة في المتوسط، مع تفاوت المحتوى بحسب النوع والحجم). أما الحوامل والمرضعات فتوصي جهات الكلية الأميركية لأطباء النساء والتوليد وهيئة سلامة الغذاء الأوروبية بألا يتجاوز استهلاكهن 200 ملغ يومياً من كل المصادر.

ولا تختلف علبة مشروب طاقة "صغيرة" كثيراً عن فنجان قهوة عادي من حيث الكافيين؛ فالقهوة المخمرة (237 مل) تحتوي عادة نحو 96 ملغ، بينما يبلغ متوسط مشروب الطاقة بالحجم نفسه نحو 79 ملغ. غير أن الفارق يظهر مع الأحجام الكبيرة أو "جرعات الطاقة" التي قد تصل إلى 200 ملغ، ومع تكرار الاستهلاك اليومي.

ماذا تقول الدراسات السابقة؟
تشير دراسات سابقة إلى أن شرب كميات كبيرة من مشروبات الطاقة قد يرفع ضغط الدم لساعات عدة، وقد يسبب أيضا تغيرات في الإشارات الكهربائية للقلب تظهر في تخطيط القلب.

وتدعم مراجعات علمية هذه التأثيرات "القصيرة المدى" على القلب والأوعية، خصوصاً لدى المراهقين. كما تُظهر بيانات مراكز السموم تزايداً في البلاغات عن تعرض الأطفال لمنتجات تحتوي كافيين عالياً، ما يعكس سهولة الوصول إليها واحتمال الإفراط في استخدامها. 

هنا، تربط الدكتورة مارتا كويل بين الأخطار المحتملة التي تناقشها الدراسات العلمية وسهولة الإتاحة، محذرة من أن بيع هذه المنتجات "في سن صغيرة جداً" قد يعني أن أطفال المدارس يشربون كميات كبيرة. وتدعو إلى أن يدرج الأطباء سؤال الكافيين ومشروبات الطاقة ضمن أخذ التاريخ المرضي "تماماً كما نفعل مع التدخين والكحول والنظام الغذائي"، بخاصة عندما تظهر أعراض لا تتناسب مع العمر أو التاريخ المرضي.
وعن التنظيم، قالت إن من أهم الإجراءات "تحسين الإعلان عن محتوى الكافيين وتوضيحه بشكل أفضل"، بما في ذلك "الكافيين الخفي"، مع إبراز أخطار الاستهلاك المرتفع على نحو يشبه تحذيرات التدخين والكحول. وأشارت إلى أن دولاً عدة طبقت قيوداً عمرية على المبيعات لمن هم دون 18 أو دون 16 عاماً.

 ويتباين تعامل الحكومات مع مشروبات الطاقة؛ ففي الاتحاد الأوروبي لا توجد تشريعات خاصة بها كفئة مستقلة، لكن تُلزم القواعد بوضع تحذير "محتوى مرتفع من الكافيين" على المنتجات التي تتجاوز حداً معيناً، بينما اتجهت دول مثل ليتوانيا ولاتفيا وبولندا إلى حظر البيع للقاصرين.

وفي نموذج آخر، تحدد كندا سقفاً رسمياً لمحتوى الكافيين في "مشروبات الطاقة المكافئة" بحد أقصى 180 ملغ لكل حصة مع تحذيرات إلزامية.

وتختتم كويل حديثها لـ"النهار" بالقول إن مشروبات الطاقة "يُفترض على نطاق واسع أنها آمنة" أو مجرد وسيلة للبقاء مستيقظين، لكنها "قد تكون خطيرة بشكل خفي"، مشددة على أن القضية  لا تستدعي الذعر والهلع، بقدر ما تتطلب وعياً عاماً أكبر وبحثاً علمياً أعمق حول أخطارها  وحدود الاستخدام الآمن.

عبدالحليم حفينة - "النهار"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا