سوريا: ملف الأقليات يعود إلى الواجهة... والكونغرس يضع مستقبل دمشق على الطاولة
بعد مرور أقل من يوم واحد على توقيع الرئيس الأميركي على قانون «تفويض الدفاع الوطني» للسنة المالية 2026، الذي تضمن إلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا بموجب» قانون قيصر»، وقع 134 نائبا جمهوريا في «الكونغرس الأميركي» بيانا أكدوا من خلاله على أن ذلك الفعل «يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات مع دمشق»، وأضاف هؤلاء أن تلك المرحلة تفرض على هذه الأخيرة العديد من الاستحقاقات التي سيكون التجاوب معها أمرا محددا للسقوف التي يمكن لتلك المرحلة أن تصل إليها، وجاء في البيان، وفقا لما نقلته قناة» فوكس نيوز»، أن «التشريع تضمن آليات تتيح إعادة فرض العقوبات، وبشكل تلقائي، في حال عدم امتثال السلطات السورية الشروط الواردة في نص الإلغاء>، كما طالب البيان بوجوب وضع ملف» حماية الأقليات»، الدينية والعرقية، في سوريا تحت رقابة صارمة»، مشيرين إلى إن <عمليات القتل الجماعي ضد المسيحيين والدروز والعلويين والأكراد، وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية، يجب أن تصبح من الماضي>.
من الواضح هنا أن البيان، الذي وقعه 134 % من النواب الجمهوريين في مجلس النواب، الذين يمثلون نسبة 63 % من إجمالي هؤلاء، يحظى بدعم من قيادة هذا الأخير، وعلى نحو خاص بدعم «لجنة الشؤون الخارجية» التي يرأسها النائب برايان ماست، الذي سبق له وأن التقى بالرئيس السوري في واشنطن خلال زيارته لها يوم 10 تشرين ثاني الفائت، وقد اشتهر عنه موقفه الرافض لرفع العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر»، ولعل من نافل القول أن تغيير ماست لموقفه، الذي مهد الطريق أمام إلغاء هذا الأخير، كان مشروطا، بل ولعل ماست كان حريصا على وضع ضوابط صارمة على نحو ما يفهم من «عزمه»، وكذا قيادة مجلس النواب، على «عقد جلسة استماع، مطلع العام 2026، لتسليط الضوء على أي تغيير مثبت في طريقة تعامل الحكومة السورية مع الأقليات الدينية والعرقية»، ومن المؤكد أن تلك الجلسة ستكون خطوة في «مسار طويل»، الأمر الذي يؤكده إعلان النواب الذين عبروا في بيانهم عن» تطلعهم إلى تلقي دعوة رسمية لزيارة سوريا خلال الأشهر المقبلة، بهدف التحقق ميدانيا من مدى التزام الحكومة السورية بالشروط الأميركية، والتأكد من عدم تقويض هذه الشروط، سواء من رأس السلطة، التي يمثلها الرئيس السو.
كشف النائب جوش بريتشين، في مقابلة له كانت قد سبقت خروج البيان للعلن بعدة أيام، عن أن الجهود التي قادها السيناتور ليندسي غراهام لإدراج ما يعرف بـ«آلية العودة التلقائية»، التي تتيح لواشنطن القدرة على إعادة فرض العقوبات فورا، في حال عدم التزام الحكومة السورية بالمعايير الأمنية والحقوقية المحددة، وكان بريتشين قد أعرب في مقابلته تلك عن قلقه البالغ إزاء الوضع في سوريا، مستشهدا باستهداف «نحو 2000 شخص من المسيحيين والدروز في السويداء>، كما أشار إلى أن» نحو 700 ألف سوري لا يزالون تحت وطأة الحصار، والظروف الإنسانية الصعبة»، وقد ركز بريتشين في هذا السياق على وجوب «نبذ الفكر المتطرف، وحماية التعددية>، وأضاف إن ذلك سيمثل<الإختبار الحقيقي لمدى رغبتهم ( قاصدا الحكومة السورية) في استعادة استقرارهم الإقتصادي والسياسي>.
في مقلب آخر، ذكرت» هيئة البث الإسرائيلية - كان»، في تقرير لها نشرته يوم السبت الفائت، أن» الإدارة الأميركية كانت قد رفضت طلبا اسرائيليا للإبقاء على جزء من العقوبات المفروضة على سوريا»، وأكدت الهيئة في تقريرها أن «واشنطن رفضت الطلب الإسرائيلي مع تعهد بتقديم تعويض مقابل هذا الرفض»، من دون أن يكشف التقرير عن تلك العقوبات التي حاولت تل أبيب الإبقاء عليها، ولا عن طبيعة التعويض الذي تعهدت واشنطن بتقديمه، أو مجالاته، لكن من المؤكد هنا أن الطلب الإسرائيلي كان يرمي للإبقاء على بعض العقوبات التي من شأنها الإبقاء على «الصدأ» المتراكم على مفاصل الإقتصاد السوري، كخطوة لازمة، وكافية، للإبقاء عليه في حال من العجز عن تشكيل رافعة قادرة على حمل «الجسد» السوري، أو انتشاله من القيعان التي وصل إليها.
ولعل هذا كاف للإشارة بوضوح إلى وجود تناقض صارخ، أميركي اسرائيلي، حيال المستقبل» السوري، وكاف للإشارة أيضا إلى وجود «صلابة» أميركية تبدو واضحة في معايرتها لذلك المستقبل، الذي يجب أن يمر بتوفير أسباب الاستقرار للتركيبة السورية، كشرط لازم لاستعادة «الروح» السورية من جهة، ولازم، من جهة ثانية، لاستعادة المنطقة برمتها للإستقرار الذي افتقدته بفواعل عدة كان من أبرزها عوامل «الاضطراب» في التركيبة السورية، ومن حيث النتيجة باتت «الكرة» الآن في الملعب السوري، الذي يجب على «كوادره» كلها، تلقف الفرصة، والنظر إلى «اليقين» الأميركي بإمكان «الخلاص» السوري كحالة قائمة، بل و راسخة، لكنها لن تبقى هكذا إلى الأبد، والمناخات المساعدة التي شهدتها واشنطن في غضون الأسبوعين الفائتين، والتي قادت إلى أسرع عملية رفع للعقوبات في تاريخ الولايات المتحدة، يمكن لها أن تنقلب، بالسرعة نفسها، إذا ما عجزت تلك» الكوادر «عن القيام بخطوات من شأنها «رأب الصدع» المجتمعي، وتعزيز «ثقافة» التعايش، الضاربة لجذورها عميقا في تاربخ سوري يمتد لمئة قرن على الأقل .
عبد المنعم علي عيسى -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|