عربي ودولي

اغتيال العقول.. واشنطن بوست تكشف حرب إسرائيل السرية على العلماء الإيرانيين

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في الدقائق الأولى من حرب قصيرة لكنها مدمّرة، تجاوزت إسرائيل خطا طالما تجنّبت عبوره لعقود ألا وهو الاغتيال العلني لكبار علماء إيران النوويين، ضمن هجوم عسكري واستخباراتي منسّق وشامل.

ويكشف تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست بالاشتراك مع برنامج "فرونتلاين" الاستقصائي التابع للشبكة التلفزيونية الأميركية (بي بي إس)، كيف تم التخطيط بدقة متناهية لهذه الحملة، التي حملت الاسم الرمزي وهو "عملية نارنيا"، وكيف أُديرت سياسيا ونُفذت بوحشية محسوبة.

ففي يونيو/حزيران الماضي، أطلقت إسرائيل حملة عسكرية واستخباراتية واسعة ضد إيران، جمعت بين الضربات الجوية والعمليات الأرضية السرية وعمليات الاغتيال الدقيقة، بهدف شلّ البرنامج النووي الإيراني.

لم تكن هذه العملية مجرد ملحق لحملة "الأسد الصاعد" الجوية الأوسع التي شنتها إسرائيل في 13 يونيو/حزيران الماضي على إيران بأكثر من 200 طائرة مقاتلة، بل كانت قلبها الإستراتيجي النابض.

واعتبرت إسرائيل، في حينه، العملية "ضربة وقائية" تحميها من "التهديد الوجودي الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني"، مشيرة إلى أن طهران "طورت صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية وضرب إسرائيل في دقائق"، في حين اعتبرتها إيران "عدوانا خطيرا" و"جريمة حرب"، ووصفتها بأنها "إعلان حرب" يستوجب ردا قويا.

إستراتيجية قطع الرأس

وتوضح واشنطن بوست في تحقيقها الاستقصائي أنه حينما كان العالم يراقب السماء ليرى أعمدة الدخان وهي تتصاعد من فوق منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران، كانت هناك حرب أكثر دقة وديمومة تُنفذ داخل المباني السكنية في طهران.

كانت تلك "عملية نارنيا"، وهي حملة مدروسة من قبل الاستخبارات الإسرائيلية لتصفية أبرز علماء إيران النوويين، الذين اعتقد مسؤولون إسرائيليون وأميركيون أنهم يشكّلون العمود الفقري لأي محاولات من طهران في المستقبل لصنع قنبلة ذرية.

بدأت العملية في الساعات الأولى من يوم 13 يونيو/حزيران 2025، مع انطلاق الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي استمرت 12 يوما. فقد استهدفت أسلحة إسرائيلية مباني سكنية في طهران، مما أدى إلى مقتل فيزيائيين ومهندسين نوويين بارزين داخل منازلهم.

وكان من بين أوائل القتلى محمد مهدي طهرانجي، الفيزيائي النظري وخبير المتفجرات الخاضع لعقوبات أميركية، وفريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، الذي كان قد نجا من محاولة اغتيال عام 2010. وأعلنت إسرائيل لاحقا أنها اغتالت 11 عالما نوويا بارزا خلال اليوم الأول والأيام التالية.

جاءت هذه الاغتيالات ضمن حملة أوسع أُطلق عليها اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت المنشآت النووية الإيرانية والبنية التحتية للصواريخ والدفاعات الجوية وقيادات عسكرية.

وقال مسؤولون إسرائيليون وأميركيون إن الهدف لم يكن تدمير المنشآت فقط، بل إعادة البرنامج النووي سنوات إلى الوراء عبر القضاء على ما تسميه الصحيفة "مجمع الأدمغة"، أي جيل من العلماء يُعتقد أنه يمتلك المعرفة اللازمة لتحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح نووي عملي.

وكشف التحقيق الاستقصائي المشترك أن إسرائيل كانت تستعد لهذه اللحظة منذ سنوات. فقد أمضت أجهزتها الاستخباراتية عقودا من الزمن في جمع ملفات دقيقة عن كبار العلماء النوويين الإيرانيين، شملت أبحاثهم وتحركاتهم اليومية ومنازلهم وشبكاتهم الاجتماعية.

ومن قائمة أولية تضم 100 عالم، جرى تقليص الأهداف إلى نحو 12 شخصا اعتُبروا غير قابلين للتعويض على المدى القريب.

وعلى عكس عمليات الاغتيال السابقة التي نُفذت في الخفاء مع إنكار رسمي، خرجت إسرائيل هذه المرة إلى العلن. ويعزو مسؤولون ذلك إلى ثقة متزايدة بعد سنوات من ضرب "وكلاء إيران"، وعلى رأسهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة وحزب الله في لبنان، إضافة إلى انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، الحليف الإستراتيجي لطهران.

غير أن العملية أسفرت عن خسائر مدنية كبيرة. فقد وثّقت واشنطن بوست وموقع بيلينغكات الاستقصائي الإلكتروني مقتل ما لا يقل عن 71 مدنيا في 5 ضربات استهدفت علماء نوويين.

ففي مبانٍ سكنية بطهران تُعرف بـاسم "مجمع الأساتذة"، قُتل 10 مدنيين، بينهم رضيع عمره شهران. وفي ضربة أخرى، كانت تستهدف العالم النووي محمد رضا صديقي صابر لكنها فشلت لأنه لم يكن موجودا حينها في المنزل، إلا أنها أسفرت عن مقتل ابنه البالغ من العمر 17 عاما.

وادّعى مسؤولون إسرائيليون أنهم بذلوا أقصى الجهود لتقليل الأضرار الجانبية، لكنهم أقروا بالأخطار المرتبطة باستهداف أشخاص يقيمون في أحياء مدنية.

من جهتها، اتهمت إيران إسرائيل باستهداف المدنيين عمدا، وأعلنت مقتل أكثر من ألف شخص، في حين قالت إسرائيل إن الضربات الإيرانية المضادة قتلت 31 إسرائيليا وأصابت منشآت مدنية.

وتشير التقييمات الاستخباراتية -وفق الصحيفة- إلى أن الأضرار كانت كبيرة لكنها غير حاسمة، إذ يتفق مسؤولون أميركيون وإسرائيليون والوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن البرنامج النووي الإيراني تراجع سنوات إلى الوراء، لكنه لم يُدمَّر.

وتؤكد واشنطن بوست أن إيران ما زالت تمتلك نحو 900 رطل من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو معدل يقترب من مستوى الاستخدام العسكري، كما مُنع مفتشو الوكالة الذرية من الوصول إلى مواقع رئيسية بعد الحرب.

الخديعة الدبلوماسية

ولعل الجانب الأكثر كشفا في التقرير الاستقصائي هو مستوى التواطؤ بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأفادت الصحيفة أن الحرب سبقتها أشهر من المناورات الدبلوماسية والتضليل. فقد عرض نتنياهو على ترامب 4 سيناريوهات للهجوم على إيران، تراوحت بين ضربة إسرائيلية منفردة وقيادة أميركية كاملة.

ورغم إظهار ترامب تفضيله للحل الدبلوماسي، واصل الجانبان التخطيط المشترك وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مع تعمّد الترويج لخلافات ظاهرية بين الرجلين لخداع طهران.

ومما كشفه التقرير أيضا أن المحادثات النووية التي كانت مقررة في 15 يونيو/حزيران الماضي لم تكن سوى "خديعة" لإبقاء القيادة الإيرانية غير مستعدة.

وحتى مع بدء القصف، أرسلت الولايات المتحدة "عرضا نهائيا" عبر الوسطاء القطريين بشروط تعجيزية تضمنت رفع جميع العقوبات مقابل تفكيك منشآت التخصيب ووقف دعم الجماعات المسلحة في المنطقة، وهو ما رفضته، لتبدأ بعدها المشاركة العسكرية الأميركية المباشرة بعد موافقة ترامب على نشر قاذفات "بي-2 سبيريت" لضرب منشأة "فوردو" المحصنة تحت الأرض.

الحافز الجيوسياسي

ثمة أحداث في المنطقة وصفتها الصحيفة بـ"عاصفة كاملة" ترى أنها هي التي شجّعت إسرائيل على ضرب إيران. كان الحدث الأول هو انهيار نظام بشار الأسد في سوريا عام 2024، مما قطع الممر البري الرئيسي لإيران نحو أذرعها.

والحدث الثاني أدى -حسب زعم الصحيفة- إلى"تفكيك" حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة وترك إيران دون "روادعها" التقليديين. وبعد مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في أواخر عام 2024، وتدمير أنظمة الدفاع الجوي الروسية (إس-300)، شعر الجنرالات الإسرائيليون أن لديهم "فرصة عملياتية" فريدة لإنهاء المهمة دون خوف من رد انتقامي مدمر.

وعلى الرغم من حجم الدمار الهائل الذي تعرضت له إيران، يظل النجاح طويل الأمد للحملة محل نقاش، برأي الصحيفة الأميركية. فقد وصف معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن الأضرار التي لحقت بمنشآت نووية -مثل نطنز وأصفهان– بأنها "كارثية".

وأكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي أن قدرة إيران المادية على تكرير اليورانيوم قد تضررت بشدة. ومع ذلك، ما تزال طهران متشبثة بموقفها.

فقد نقلت واشنطن بوست في تقريرها عن علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، القول إن برنامج بلاده النووي الإيراني لا يمكن تدميره. فالمعرفة -كما أكد- لا يمكن محوها بالقنابل.

ومع شروع إيران في إعادة البناء وتوسيع منشآت تحت الأرض، يخلص التحقيق الاستقصائي إلى أن الضربات الإسرائيلية والأميركية ربما أخّرت الطموحات النووية الإيرانية، لكنها لم تحل جوهر المشكلة، بل ربما أسهمت في جعل عودتها تكون بشكل أكثر سرية وتحصينا في المستقبل.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا