محليات

تفاصيل أخطر عملية احتيال في تاريخ لبنان السياسي… خلدون عريمط و”الأمير السعودي الوهمي"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تكشف قضية “الأمير السعودي المزعوم أبو عمر” نموذجًا صادمًا لكيفية اختراق المشهد السياسي اللبناني عبر نفوذ وهمي، استند إلى ادّعاء القرب من مرجعيات سعودية عليا، واستغلّ تعطّش بعض السياسيين ورجال الأعمال إلى الغطاء الخارجي والدعم الإقليمي، ولا سيما السعودي. رواية بدأت قبل نحو عقد من الزمن، وتراكمت فصولها بصمت، قبل أن تنفجر تباعًا مع معطيات أمنية واعترافات مسجّلة وضعت الملف برمّته أمام القضاء.

بحسب معلومات “ليبانون ديبايت” الموثّقة والمتقاطعة مع أكثر من جهة، تعود بداية القصة إلى العام 2015، حين روّج خلدون عريمط لوجود شخصية قُدّمت على أنها أمير سعودي من الديوان الملكي يُدعى “أبو عمر”، وقيل إنه مقرّب من صنّاع القرار الأساسيين في المملكة العربية السعودية، وقادر على التأثير المباشر في المسارات السياسية اللبنانية.

وتشير المعطيات إلى أن أول ضحايا هذه الرواية كان الصحافي رضوان السيد، المقرّب من الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، قبل أن يطاول التأثير لاحقًا السنيورة نفسه، حيث باتت الدائرة المحيطة به تروّج لعلاقة مباشرة تربطه بالقيادة السعودية، وبُنيت على هذا الأساس صورة سياسية داخلية جرى توظيفها في أكثر من محطة.

 

وجرى تقديم “أبو عمر” من قبل خلدون عريمط على أنه حلقة وصل غير رسمية مع المرجعيات السعودية العليا، مع اعتماد خطاب مدروس يقوم على إطلاق وعود مؤجّلة، مقرونة بتأكيد دائم أن “التوجيهات حول تنفيذ هذه الوعود ستصل في الوقت المناسب”، سواء إلى السفير السعودي أو إلى جهات معنية أخرى. وفي هذا الإطار، نُسبت إلى “أبو عمر” وعود بإيصال شخصيات إلى موقع رئاسة الحكومة، أو إعادة آخرين إلى الندوة البرلمانية، أو تسهيل دخول بعض الطامحين للمرة الأولى إلى المجلس النيابي.

اللافت في آلية العمل أن “أبو عمر” اشترط منذ البداية أن تبقى اللقاءات بعيدة عن أي قناة رسمية أو إعلامية، وأن لا يتم إبلاغ السفير السعودي أو أي جهة دبلوماسية سعودية معتمدة، تحت ذريعة “حساسية المسار”. وبهذا الأسلوب، جرى خلق مناخ سياسي موازٍ، قُدّم على أنه يتمتع بغطاء إقليمي غير معلن.

 

واستهدفت هذه “التنصيبة” شخصيات سياسية متموّلة، أو شخصيات تمتلك طموحًا سياسيًا وتسعى إلى لعب دور أكبر، خصوصًا في البيئة السنية، حيث استُخدم عامل “الدعم السعودي” كرافعة أساسية للإقناع. وبحسب المعطيات، وقع ضحية هذه العملية أسماء ذات حضور سياسي واقتصادي، من بينهم محمد شقير، نزيه حمد، ميشال فرعون، غسان حاصباني، سمير جعجع، جاد دميان، أحمد هاشمية، أحمد حدارة، سرحان بركات، إضافة إلى شخصيات سياسية واقتصادية أخرى.

وفي سياق متصل، تفيد الروايات بأن “أبو عمر” أوقع رضوان السيد في إشكالية كبيرة مع السعودية، بعد أن دفعه إلى كتابة مقال أثار انتقادات في أوساط القيادة السعودية. وعندها، دخل “أبو عمر” على الخط مطمئنًا إلى أنه سيتولى معالجة الإشكال، شرط عدم الإشارة إلى دوره في الدفع باتجاه كتابة المقال. وعلى هذا الأساس، جرى احتواء المسألة، ولم يكشف السيد دور “أبو عمر”، متحمّلًا تبعات القضية وحده.

 

لكن مع مرور الوقت، بدأت علامات الاستفهام تتكاثر، إذ لم يظهر “أبو عمر” يومًا بشكل مباشر، وبقي حضوره محصورًا باتصالات هاتفية فقط. وهنا برز اسم مصطفى الحسيان، وهو لبناني من عكار يعمل في مجال حدادة السيارات، وكان ينتحل صفة “الأمير السعودي”. وتشير المعطيات إلى أن الحسيان كان يحضر اجتماعات مع خلدون عريمط ويطّلع على كامل تفاصيلها، ثم يغادر ليعاود الاتصال لاحقًا بالأطراف نفسها، معرّفًا عن نفسه بصفته “أبو عمر”، مستخدمًا لهجة بدوية قريبة من اللهجة الخليجية، وكل ذلك بالتنسيق الكامل مع خلدون عريمط.

وبحسب الروايات، استُخدمت هذه الاتصالات لإيهام سياسيين ورجال أعمال بوعود سياسية، فيما كان خلدون عريمط يطلب دعمًا ماليًا لنفسه من الشخصيات المستهدفة، أو لنجله، أو لجمعيات وأشخاص قيل إنهم بحاجة للمساعدة، على أن يتم تقاسم هذه الأموال بينه وبين الحسيان، مع حصول عريمط على الحصة الأكبر.

 

وفي إحدى المحطات، حصل نجل خلدون عريمط، ويدعى محمد، مع طارق المرعبي على عقد من مرفأ بيروت خلال فترة تولي عمر عيتاني الإدارة المؤقتة، مقابل وعود كاذبة قُدّمت لعيتاني بدعم سعودي له ولمرفأ بيروت.

 

التحوّل المفصلي وقع قبل نحو 3 إلى 4 أشهر، حين بدأ أشخاص وقعوا ضحية هذه الروايات بالتواصل مع جهات مطّلعة على العلاقات اللبنانية–السعودية. وفي إحدى الحالات، حاول أحد المتضررين الاتصال بـ“أبو عمر” أثناء وجوده برفقة مصطفى الحسيان، فكان أن رنّ الهاتف الموجود مع الأخير، ما شكّل لحظة كاشفة دفعت نحو متابعة أمنية جدّية.

لاحقًا، جرى توقيف مصطفى الحسيان من قبل مخابرات الجيش، في إطار تحقيقات لا تزال جارية، مع الإشارة إلى وجود شخص آخر يُدعى محمود على صلة بالملف. وبحسب الروايات المتداولة، أدلى الحسيان خلال التحقيقات باعترافات قال فيها إن خلدون عريمط كلّفه بتنفيذ هذه الاتصالات والمهام. كما جرى التداول بمواد مصوّرة وتسجيلات صوتية تُظهر اعترافات منسوبة إليه حول انتحاله صفة “أبو عمر” وتكليف عريمط له بالقيام بذلك.

إلى ذلك، شكّلت حادثة نيسان 2024 نقطة كشف إضافية. ففي خلال التعازي بوفاة زوج السيدة بهية الحريري، طلب خلدون عريمط أن يقوم “الأمير أبو عمر” بتقديم واجب العزاء. جرى الأمر بالفعل، ونُقل لاحقًا إلى الرئيس سعد الحريري وفريقه على أنه مؤشّر إيجابي لعلاقة مع مرجعيات سعودية. غير أن تواصل السيدة الحريري مباشرة مع السفارة السعودية أسقط الرواية بالكامل، إذ جاء الرد بالنفي القاطع، مؤكّدًا أن لا أمير من الديوان الملكي تواصل معها، ولا أي مسار من هذا النوع.

ماليًا، تشير الروايات إلى أن بعض الضحايا تكبّدوا مبالغ ضخمة، تراوحت بين عشرات آلاف الدولارات، ووصلت في بعض الحالات إلى ما بين 100 ألف و500 ألف دولار. كما جرى التداول بمعلومات تفيد بأن الوزير السابق ميشال فرعون خصّص مخصصًا ماليًا شهريًا بقيمة 4 آلاف دولار لخلدون عريمط، في إطار دعم سياسي مرتبط بوعود بإعادته إلى الندوة البرلمانية.

 

وفي تطوّر لافت على خطّ المتابعة، تفيد معطيات متداولة بأن خلدون عريمط غادر لبنان خلال الفترة الأخيرة متوجّهًا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتزامن مع تصاعد الشبهات والضغوط المرتبطة بهذا الملف.

وفي موازاة ذلك، لم يسلم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من تداعيات هذا الملف. إذ تشير المعطيات إلى أن عريمط كان ضيفًا دائمًا على عدد من المناسبات والعشاءات السياسية التي شارك فيها جعجع، قبل أن يتلقّى الأخير لاحقًا ملاحظات وعتبًا من جهات سعودية، على خلفية وقوعه، كما غيره، في فخ الرواية التي روّج لها عريمط، والتواصل غير المباشر مع من زُعم أنه أمير سعودي، ومن خارج القنوات الرسمية المعتمدة.

وتضيف المصادر أن هذا العتب السعودي عكس استياءً واضحًا من محاولات الالتفاف على القنوات الدبلوماسية الرسمية، والتعامل مع شخصيات غير موثوقة ادّعت امتلاك نفوذ أو تمثيل داخل دوائر القرار في المملكة.

وتذهب بعض المعطيات المتداولة أبعد من ذلك، إذ يجري حديث جدّي في كواليس سياسية عن دور محتمل نُسب إلى “أبو عمر” خلال ليلة الاستشارات النيابية المُلزمة وتسمية رئيس الحكومة نواف سلام، حيث زعم عدد من النواب، في حينه، أنهم تلقّوا “توجيهات سعودية” في ما خصّ خياراتهم السياسية. وتشير هذه الروايات إلى أن مصدر تلك “التعليمات”، في حال صحّت، لم يكن أي قناة رسمية سعودية، بل “أبو عمر” نفسه، الذي كان يقدّم ذاته كناطق غير معلن باسم المرجعيات العليا.

وإذا ما ثبتت هذه المعطيات، فإنها تفتح الباب أمام شبهة أخطر تتجاوز الاحتيال المالي، لتطال تزويرًا مباشرًا لمسار العملية السياسية والدستورية في لبنان، عبر الإيهام بغطاء خارجي غير موجود، والتأثير على قرارات نواب في محطة سيادية مفصلية. وهو ما يجعل هذا الجانب من الملف، في حال توافر الأدلة، مادة تحقيق قضائي وأمني جدي، نظرًا لما يحمله من تداعيات على نزاهة الحياة السياسية وعلى مفهوم السيادة وشرعية القرار الدستوري.

في الخلاصة، تتجاوز هذه القضية حدود عملية نصب تقليدية، لتكشف هشاشة خطيرة في آليات التحقق داخل الطبقة السياسية اللبنانية. إذ إن نجاح “أمير وهمي” في اختراق هذا المستوى من العلاقات، وفرض شروطه بعيدًا عن القنوات الرسمية، يطرح سؤالًا جوهريًا: ماذا لو لم يكن هذا الاحتيال فرديًا، بل عملية استخباراتية منظّمة؟ الجواب، وفق متابعين، يضع الملف في خانة الأمن السياسي والوطني، بانتظار ما ستكشفه التحقيقات القضائية المقبلة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا