جلسة الغد…. من سيشارك ومن سيقاطع؟

تأتي الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب في توقيت بالغ الدقة، سياسيًا ودستوريًا، لتعيد طرح السؤال الجوهري حول طبيعة الدور الذي بات يؤديه المجلس النيابي، هل هو سلطة تشريع فاعلة تحترم الدستور وتلتزم أولويات المواطنين، أم مجرد منصة لإدارة الوقت الضائع تحت عنوان تشريع الضرورة، من دون أي التزام فعلي بروحية النص الدستوري أو حقوق اللبنانيين، ولا سيما المنتشرين في أصقاع العالم؟

في هذا السياق، برز موقف كتلة نواب الكتائب كأحد أكثر المواقف وضوحًا وتماسكًا، إذ اعتبرت أن الجلسة المرتقبة لا تمثل سوى حلقة إضافية في سلسلة جلسات مكررة، تقوم على جدول أعمال واحد، أُعد بعناية انتقائية، متجاهلًا عمداً قضايا مفصلية لا تحتمل التأجيل، وانطلاقًا من قراءة دستورية صارمة، رأت الكتلة أن الاستمرار في هذا النهج يشكل مساسًا مباشرًا بمبدأ انتظام العمل البرلماني، ويكرس أعرافًا تشريعية مشوهة على حساب الحقوق الأساسية للمواطنين.

وعليه، أكدت كتلة الكتائب أنها لن تشارك في الجلسة ما لم يدرج على جدول أعمالها مشروع القانون المعجّل المكرّر المتعلق بالسماح للبنانيين غير المقيمين بالاقتراع لكامل أعضاء مجلس النواب الـ128، باعتباره حقًا دستوريًا كاملًا غير قابل للتجزئة أو المقايضة، فحق المغتربين في التمثيل المتساوي لا يُعد تفصيلًا إجرائيًا، بل ركنًا من أركان الشراكة الوطنية، وأي محاولة لتأجيله أو الالتفاف عليه هو سابقة خطيرة تضرب مبدأ المساواة بين اللبنانيين في الداخل والانتشار.

هذا الموقف لم يكن معزولًا عن قراءة أوسع لطبيعة الخلل القائم في إدارة المؤسسة التشريعية، وفي هذا الإطار، شدد النائب مارك ضو، في حديث لموقع kataeb.org، على أن الإشكالية الأساسية تكمن في طريقة إدارة المجلس، معتبرًا أن رئيس مجلس النواب مدعو إلى وقف الخروق المتكررة التي تعيق حسن سير العمل البرلماني، وتُضعف فعالية المجلس كمؤسسة دستورية يفترض أن تكون رافعة لمسار الإنقاذ والإصلاح، لا عائقًا أمامه، كما أشار ضو إلى أن مقاطعة جلسة 29 أيلول الماضية ومكملاتها لم تكن قرارًا سياسيًا ظرفيًا، بل موقفًا مبدئيًا نابعًا من قناعة راسخة بأن الجلسة بنيت على خطأ دستوري، ولا يجوز الاستمرار بها أو إعادة إحيائها.

وفي هذا السياق، شدد ضو على ضرورة إدراج قانون الحكومة المعجل المكرر المتعلق باقتراع المغتربين، إلى جانب جميع مشاريع القوانين المعجلة المقدمة، ولا سيما تلك الصادرة عن السلطة التنفيذية، قبل انتهاء العقد الاستثنائي في 31 من الشهر الجاري، معتبرًا أن هذه المهلة ستكون فرصة أخيرة للتشريع المسؤول، قبل الدخول في فراغات أعمق وأكثر خطورة على المستويين الدستوري والمؤسساتي.

في المقابل، اختارت كتل نيابية أخرى مقاربة مختلفة للجلسة، فقد أعلن عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله أن كتلته ستشارك في جلسة الغد تحت عنوان تسيير شؤون المؤسسات، مع التأكيد على الموقف السياسي الداعم لحق المغتربين في الاقتراع لـ128 نائبًا، في محاولة للجمع بين مقتضيات الاستمرارية المؤسسية والموقف المبدئي.

أما في صفوف نواب التغيير، فأكدت النائبة نجاة عون أن الاتصالات لا تزال قائمة للتوصل إلى موقف موحد، إلا أنها أعلنت مقاطعتها الشخصية للجلسة، مشددة على ضرورة إدراج قانون اقتراع المغتربين من دون أي تأجيل إضافي.

من جهته، أوضح النائب فريد البستاني لموقع kataeb.org أنه سيحضر الجلسة، مبررًا قراره بوجود قوانين سبق أن تقدم بها وتستوجب البت بها قبل انتهاء المهل الدستورية، مؤكدًا أن مشاركته تأتي بمعزل عن قرار كتلة “لبنان القوي” التي ينتمي إليها.

وفي السياق نفسه، علم موقع kataeb.org أن مشاورات مكثفة تجري بين عدد من النواب، من بينهم إبراهيم كنعان، سيمون أبي رميا، آلان عون، وإلياس بو صعب، في محاولة لتحديد الموقف النهائي من المشاركة، على أن تتبلور الصورة في الساعات المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار حاجات المواطنين الملحة لإقرار قوانين ذات طابع اجتماعي واقتصادي.

في موازاة ذلك، كان حزب القوات اللبنانية قد أعلن مقاطعته للجلسة في بيان رسمي، ما يعكس حجم الانقسام النيابي حول شرعية الجلسة وجدواها، في ظل غياب توافق فعلي على الأولويات الدستورية والتشريعية.

في المحصلة، تتجاوز جلسة الغد كونها استحقاقًا تشريعيًا عاديًا، لتتحول إلى اختبار حقيقي لمدى التزام المجلس النيابي بالدستور وبحقوق اللبنانيين كافة.

وبين من يصر على تشريع انتقائي يفتقر إلى العدالة الدستورية، ومن يتمسك، كما حزب الكتائب، بتشريع كامل يحترم المساواة والتمثيل الصحيح، يبقى الرهان على أن ينتصر منطق الدولة والمؤسسات على حساب الأعراف المشوهة، وأن يعاد الاعتبار لدور البرلمان كسلطة تشريعية تعبّر فعلًا عن إرادة اللبنانيين، لا عن توازنات ظرفية عابرة.

شادي هيلانة -Kataeb.org