القاضي عريمط يتقدم بشكوى للنيابة العامة بعد تعرضه لإشاعات وتهديدات وابتزاز سياسي
إيران تتحدى الغرب نووياً.. واشنطن وبروكسل تستعدان لسيناريو الصدام
مع توقف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، بات الملف النووي الإيراني أخطر من أن يُعتبر مسارًا دبلوماسيًا معطّلًا بانتظار إحيائه لدى دول الترويكا الأوروبية وواشنطن، فقد أصبح يُناقَش لديهم كقضية تتعلق بكيفية التعامل مع نظام سياسي مثل النظام الإيراني الذي يواصل توسيع برنامجه النووي من دون تقديم أي التزام سياسي يمكن اختباره أو البناء عليه.
هذا التحول، وفق مصادر "إرم نيوز"، يرتبط بتراكم الخطوات الإيرانية المُعتبرة لدى كل من واشنطن وبروكسل كدليلٍ على خيار استراتيجي تتبناه طهران، يقوم على دفع البرنامج النووي إلى الأمام مع تعطيل أي إطار سياسي موازٍ.
واشنطن تعيد ضبط المقاربة
في واشنطن، لم يأتِ التحذير العلني الأخير الذي جاء على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن استهداف أي موقع نووي إيراني جديد من فراغ؛ إذ أفاد مصدر دبلوماسي أمريكي مطّلع على النقاشات الجارية داخل الإدارة، بأن هذا الموقف جاء بعد مراجعة داخلية خلصت إلى أن النظام الإيراني يستغل غياب المفاوضات لتوسيع بنيته النووية بوتيرة محسوبة، من دون الاكتراث بردود الفعل السياسية.
وبحسب ما أوضحه المصدر، خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، فإن واشنطن تنظر إلى النشاط النووي الإيراني اليوم من زاوية المسار العام الذي تسلكه طهران.
وتابع بالقول: "المشكلة ليست في منشأة محددة أو مستوى تخصيب بعينه فقط، حيث باتت المشكلة تبرز من خلال نمط سلوك واضح متبع، فكلما غاب الإطار السياسي؛ توسّع النشاط، وكلما طُلب التزام، جرى الالتفاف عليه".
وأضاف أن الإدارة الأمريكية الحالية لم تعد ترى فائدة في الاكتفاء بصيغة التحذير المفتوح؛ لأن التجربة السابقة أظهرت أن النظام الإيراني يتعامل مع هذه الصيغة كمساحة مناورة. من هنا، جاء الاتجاه داخل واشنطن نحو تسمية النتائج المحتملة لهذا السلوك بشكل مباشر، بهدف إعادة إدخال عنصر الكلفة إلى حسابات طهران، وليس بهدف فتح باب تفاوضي جديد.
المصدر الأمريكي أشار أيضاً إلى أن النقاش داخل الإدارة بات يتجاوز الملف النووي بمعناه الضيق، ليركز على ما يعتبره "سلوك تحدٍّ ممنهج" من جانب النظام الإيراني، يستخدم البرنامج النووي كأداة لتغيير الوقائع.
هذا التقدير بحسب المصدر، هو ما يفسر ارتفاع مستوى التنسيق السياسي مع إسرائيل في الآونة الأخيرة، من دون أن يعني ذلك اتخاذ قرار عسكري وشيك حتى الآن.
من ملف نووي إلى سلوك شامل
كذلك فإن المراجعة الأمريكية للملف الإيراني لم تعد تتعامل مع الملف النووي بمعزل عن بقية أدوات الاشتباك الإيرانية، حيث يُناقَش ضمن حزمة سلوك أوسع تبدأ بالنووي، وتصل إلى الصواريخ، وتوسيع النفوذ الإقليمي.
في بروكسل، يتقاطع القلق مع واشنطن عند نقطة واحدة أساسية، لكنه ينطلق من تجربة مختلفة.
مصدر دبلوماسي أوروبي يؤكد، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يواجه مشكلة في تقدير القدرات النووية الإيرانية، حيث بات التركيز الأكبر الآن على قراءة نيات النظام السياسية.
ويقول المصدر: "ما نراه اليوم هو غياب كامل لأي استعداد سياسي لدى طهران لتغيير سلوكها".
بحسب هذا التقدير، فإن الرسائل التي تصل إلى الأوروبيين عبر قنوات خلفية خلال الأسابيع الماضية تركز على تجنب التصعيد، من دون أن تتضمن أي مقترحات عملية يمكن اختبارها.
ويضيف المصدر "النظام الإيراني يطلب وقتاً إضافياً، لكنه لا يقدّم مقابله أي التزام يمكن مراقبته"، معتبراً أن هذا الأسلوب بات مرفوضاً داخل عدد متزايد من العواصم الأوروبية.
تراجع دور الوساطة الأوروبية
كذلك يشدد المصدر الأوروبي على أن بروكسل لم تعد تنظر إلى الملف النووي الإيراني كقضية منفصلة عن السياق الإقليمي الأوسع. فاستمرار طهران في تطوير برنامجها النووي، بالتوازي مع تعزيز قدراتها العسكرية، يُعد أوروبياً كخيار يهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار، وليس كوسيلة لتحسين شروط تفاوضية. هذا التقييم يفسر التراجع الملحوظ في استعداد الأوروبيين للعب دور الوسيط، ويعكس اقتناعاً متزايداً بأن المشكلة سياسية في جوهرها.
في هذا السياق يقرّ المصدر بأن قدرة الاتحاد الأوروبي على لعب دور الوسيط تراجعت عملياً، بسبب غياب أي مضمون سياسي يمكن البناء عليه في التواصل مع طهران.
ويضيف أن الأوروبيين باتوا يواجهون صعوبة متزايدة في تبرير استمرار سياسة كسب الوقت، في ظل توسّع النشاط النووي الإيراني من دون التزامات مقابلة.
بينما يُشير المصدر الدبلوماسي الأمريكي إلى أن مفهوم "الخط الأحمر" بات مرتبطاً بمسار كامل ترى فيه واشنطن تجاوزاً تدريجياً لما يمكن قبوله سياسياً. هذا التحول يفسر ارتفاع مستوى التصريحات العلنية، مع احتمالية الاقتراب من قرار عسكري في الفترة المقبلة.
ربط النووي بالسياق العسكري
وضمن هذا المناخ، تواصل إسرائيل الضغط باتجاه ربط البرنامج النووي الإيراني بسياقه العسكري الأوسع، وخصوصاً بتسارع إنتاج الصواريخ الباليستية. هذا الربط يهدف إلى دفع الشركاء الغربيين للتخلي عن مقاربة الفصل بين النووي وبقية أدوات القوة الإيرانية.
من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن التعامل مع النووي بمعزل عن هذا السياق يمنح النظام الإيراني هامشاً إضافياً لتعزيز موقعه العسكري، تحت غطاء الجدل التقني والدبلوماسي. هذا الطرح يجد صدى متزايداً في واشنطن، ويُناقَش بجدية أكبر في بعض العواصم الأوروبية، وفق ما تشير إليه مصادر دبلوماسية.
في المقابل، فإن طهران تتحمل المسؤولية المباشرة عن دفع الملف إلى هذا المستوى من التعقيد، عبر الإصرار على توسيع برنامجها النووي من دون توفير أي أرضية سياسية تخفف منسوب التوتر.
ومع استمرار هذا النهج، تتقلص المساحة بين التحذير والقرار، وتزداد كلفة الانتظار على جميع الأطراف.
البرنامج النووي كوسيلة ضغط
ويرى الباحث جوناثان ميرسر، الخبير في الاستراتيجية النووية، خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أن السلوك النووي للنظام الإيراني في المرحلة الحالية يُفهم كجزء من اختبار سياسي مباشر لإرادة الولايات المتحدة وحلفائها. فمن وجهة نظره، لا يسعى النظام الإيراني إلى فرض واقع نووي نهائي، بقدر ما يعمل على دفع خصومه إلى لحظة تردد طويلة، تُفرغ مفهوم الردع من مضمونه العملي.
ميرسر يشدد على أن الخطورة تكمن في الرسالة السياسية التي يبعث بها النظام الإيراني؛ من حيث المضي في توسيع البرنامج من دون ثمن واضح. هذا السلوك، برأيه، يهدف إلى إعادة تعريف الخطوط الحمراء الغربية باعتبارها قابلة للتآكل التدريجي، وليس باعتبارها حدوداً صلبة.
ويضيف أن التحذيرات الأمريكية العلنية الأخيرة تُفهم في هذا السياق كمحاولة لإيقاف هذا التآكل. "إلا أن استمرار النظام الإيراني في تجاهل هذه التحذيرات يضع واشنطن أمام معضلة استراتيجية؛ فإما القبول بتحول الردع إلى أداة خطابية، أو الانتقال إلى خيارات أكثر صرامة، بما يحمله ذلك من كلفة سياسية وأمنية".
من هذا المنظور، يعتبر ميرسر أن النظام الإيراني يتحمل المسؤولية الأساسية عن دفع الملف إلى مرحلة اختبار الإرادة، عبر استخدام البرنامج النووي كوسيلة لتقويض مصداقية الخصوم.
التحول الأوروبي الصامت
أما الباحثة في شؤون الأمن الأوروبي والعلاقات عبر الأطلسي، إليزابيث وارنفلد، فتركز، خلال حديثها لـ"إرم نيوز"، على التحول الأوروبي الصامت. فبرأيها، إن السلوك الحالي للنظام الإيراني لا يهدد فقط منظومة عدم الانتشار، إنما يقوّض الدور الذي حاولت أوروبا لعبه لسنوات كوسيط قادر على إبقاء القنوات السياسية مفتوحة.
وارنفلد ترى أن المشكلة الأساسية بالنسبة للعواصم الأوروبية باتت سياسية بامتياز. فاستمرار النظام الإيراني في توسيع برنامجه النووي، مع الاكتفاء برسائل تهدئة عامة غير مصحوبة بأي التزام قابل للتحقق، جعل من الصعب على الأوروبيين الدفاع عن خيار "إدارة الأزمة" أمام الرأي العام وصناع القرار.
وتشير إلى أن أوروبا تجد نفسها اليوم في موقع أكثر قرباً من المقاربة الأمريكية، نتيجة استنتاج عملي مفاده أن النظام الإيراني يستخدم الزمن كأداة.
هذا التحول، بحسب وارنفلد، يعني أن طهران لم تعد تواجه خلافاً غربياً حول التوصيف، بل اختلافاً محدوداً حول التوقيت وآليات الرد.
من وجهة نظرها، فإن أخطر ما في السلوك الإيراني الحالي هو أنه يدفع أوروبا تدريجياً خارج دور الوسيط، ويضعها في موقع الطرف المتأثر مباشرة بتداعيات أي تصعيد، سواء على مستوى الأمن الإقليمي أو استقرار أسواق الطاقة. وهذا التحول، إن اكتمل، سيحرم النظام الإيراني من أحد أهم هوامش المناورة التي استفاد منها سابقاً.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|