لدى ترامب مشكلة اسمها نتنياهو
لدى الرئيس دونالد ترامب مشكلات، ذاتية وموضوعية، في كل مشاريع "السلام" التي يتبنّاها أو يدّعيها. الذاتية ترتبط بعقلية رجل الأعمال الذي لا يرى شعوباً وتاريخاً وحقوقاً وقوانين في الصراعات القائمة المطلوب حلّها بمسؤولية، بل يرى مصالح ومعادن ثمينة و"عقارات" يمكن التصرّف بها استثماراً واستحواذاً. أما المشكلات الموضوعية فهي تلك التي تطرأ وتعطّل خططه، وبالنسبة إلى الشرق الأوسط فإن مشكلته معروفة، اسمها بنيامين نتنياهو، يتساوى في ذلك أن يعترف بها أو لا يعترف.
في الأساس لا تعارضَ بين الرجلين، فهما صديقان وحليفان، ولطالما كانا متفقَين في ما هو معقولٌ وغير معقول في الولاية الأولى لترامب. لا تستوقفهما أيّ قيم ومبادئ إنسانية، ولا مسائل تتطلّب احترام الشعوب ومصائرها أو العطف على أهل غزّة إذ تجرف الأمطار خيامهم أو لأن إسرائيل تمنع إدخال مستلزمات الإيواء وتقنّن توفير الأغذية والأدوية والوقود، فهذه شؤون وجرائم تضمن فيها واشنطن لإسرائيل حصانة من الإدانة. لكن المشكلة أن ترامب يجد حالياً في نتنياهو "حليفاً" ينافسه في الأطماع، ويطالبه بأن يغلّب مصالح إسرائيل على مصالح "أميركا أولاً"، وقد يخرّب "اتفاق غزّة" كما فعل ويفعل يومياً. هناك توقّعات كثيرة داخل إسرائيل بأن يكون لقاؤهما المقبل صعباً وحاسماً. لكنهما في الواقع لن يفترقا على خلاف، فاحتمالات التوافق بينهما متوفّرة، وأسهلها، كالعادة، على حساب الجانب الفلسطيني والعربي - الإسلامي.
مع ذلك، هناك مسائل خلافية، بعضها لم يكن واضحاً في ولاية ترامب الأولى وقد استجدّ بفعل عاملَين: تغيير مفهوم الأمن لدى الإدارة الأميركية واعتبارها الشرق الأوسط "مكاناً للشراكة والصداقة والاستثمار" (وفقاً لاستراتيجية الأمن القومي الجديدة)، وسعي الرئيس إلى استكمال "الاتفاقات الإبراهيمية"، لكن إسرائيل تريد قولبة الشرق الأوسط وفقاً لأهوائها... وبرغم التحالف المزمن العميق بين بلديهما، فإن ترامب بات يجد في توجّهات نتنياهو والمتطرّفين في حكومته ما يعوّق خططه. وإذا كان يرى في "سلام غزّة" بداية مسار نحو "تطبيع" شامل، إلا أن شكاوى دول الوسطاء من الانتهاكات والعوائق التي افتعلتها إسرائيل لإفساد المرحلة الأولى من الاتفاق واشتراطاتها الكثيرة غير المبرّرة للانتقال إلى المرحلة الثانية، حملت كلّها مؤشرات إلى أن الموافقة الإسرائيلية على "خطة ترامب" لم تكن سوى تكتيك يرمي إلى إفشالها.
أما دوافعها فكثيرة، إذ إن الألغام التي زرعتها إسرائيل في نصّ "الخطة" ثم في صيغة القرار الدولي 2803 في شأن غزّة، كانت مصمَّمة لاستدراج الطرف الآخر إلى تعطيلهما أو نسفهما، وبالتالي إلى تسريع سأم الرئيس الأميركي من متابعة الملف. وبمقدار ما أن الدول الثماني العربية والإسلامية تجاوزت مآخذها الجدّية على الخطة لتحقيق هدف "وقف الحرب"، بمقدار ما أن هذا الهدف تحديداً أحبط العديد من الخطط الإسرائيلية، ومنها: أولاً، أن استمرار الحرب يمكّنها من احتلال القطاع. وثانياً، إدامة الانفراد (مع واشنطن) في التحكّم بـ"اليوم التالي". وثالثاً، استخدام الحرب وسيلة وحيدة للهيمنة على الشرق الأوسط وفرض "السلام عن طريق القوة"، لذلك عدّلت حكومة نتنياهو خط الانسحاب الأول في غزّة كما كان مرسوماً في "خطة ترامب" وتواصل اعتداءاتها في القطاع والضفة وتصعّد الضغط على لبنان وسوريا.
في الأثناء سكتت واشنطن عن مخالفات ارتكبتها إسرائيل، وبعضٌ منها توافق عليه (اغتيال كوادر "حماس" في غزّة) برغم انعكاسه المحتمل على وقف إطلاق النار، لكنها كانت تفضّل أن تتصرّف إسرائيل تصرفاً مختلفاً: فلا تبقي حال الحرب قائمة في غزّة، ولا تعلن أن "الخط الأصفر" حدودها الجديدة، ولا تغذّي التصعيد الصامت مع مصر في شأن "صفقة الغاز" ومعبر رفح أو بالإعلان الملتبس عن فتحه في اتجاه التهجير فقط، ولا تتدخّل علناً في تشكيل "قوة الاستقرار الدولية"، ولا تتمسّك باستبعاد السلطة الفلسطينية برغم مطالبة الدول الـ8 بإشراكها ولو جزئياً، ولا تصرّ على تحديد الأسلوب الواجب اتّباعه لنزع سلاح "حماس"... كل ذلك سيكون على طاولة البحث في فلوريدا، وإذا أتاح ترامب لنتنياهو مزيداً من الفرص لتعديل خطّته أو عرقلتها، فإنه سيجازف بتعطيلها.
أكثر من حصيلة - سلبية - قُدّمت أخيراً لمشاريع ترامب لإنهاء "الحروب الـ8"، ومع أن غزّة أكثرها قابلية للنجاح، إلا أن حسابات نتنياهو الشخصية وغرائز حلفائه المتطرفين تشكّل عائقاً كبيراً، فهؤلاء لن يرضوا بأقلّ من محو "فلسطين" وشعبها من الخريطة. ولدى إسرائيل جديدٌ مستقبليٌّ مقلق، فالفصل الخاص بالشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمنية عنونته واشنطن بـ"نقل الأعباء وبناء السلام"، معتبرةً أن أهمية المنطقة تراجعت بالنسبة إليها، إذ لم تعد معوّلة على النفط، ولا قوى كبرى أو إقليمية تنافس نفوذها (خصوصاً بعد ضرب إيران وإضعافها). إذاً، يتطلّب استقرار المنطقة تعاون أميركا مع القوى الفاعلة فيها، ولا سيما دول الخليج وتركيا، كذلك إسرائيل. لكن من الصعب وضع إسرائيل الحالية في أي معادلة إيجابية.
عبدالوهاب بدرخان - "النهار""
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|