محليات

خارطة انتشار المسيحيين في سوريا: من 25% زمن العثمانيين إلى 3% بعد «التحرير»

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم تكن المسيحية في سوريا، وعلى مر تاريخها، حالة طارئة، حيث تعتبر دمشق «كرسيا بطريركيا»، ومقرا لثلاث كنائس على مستوى العالم : بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وبطريركية انطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وبطريركية انطاكية والقدس والإسكندرية للروم الملكيين الكاثوليك، وهي كانت نقطة انطلاق «بولس الطرطوسي»، وهو واحد من رسل المسيحية، في رحلاته التبشيرية، وفيها كنيسة «حنانيا»، التي تمثل إلى جانب كنيسة «أم الزنار» بحمص، اثنتين من أقدم الكنائس في العالم وتاريخهما يعود إلى بدايات القرن الميلادي الأول، أما محيطها فيحوي العديد من المقدسات المسيحية في صيدنايا ومعلولا، التي لا يزال أهلها يتحدثون لليوم باللغة الآرامية التي تحدث بها السيد المسيح، وصدد و دير سمعان، وإلى وقت قريب حافظت حلب على مرتبة ثالث مدينة في الشرق، بعد القاهرة وبيروت، من حيث عدد المسيحيين القاطنين فيها.

مسيحيو سوريا متنوعون، فهناك الروم الأرثوذكس، الذين يشكلون نحو 45% من عدد المسيحيين في سوريا، يليهم السريان الأرثوذكس بنسبة تصل إلى 23% ، ثم الروم الكاثوليك بنسبة هي عند 16% ، ثم أتباع الكنيسة الرسولية الأرمنية الذين يمثلون نحو 11%، أما باقي النسبة فهي لأتباع كنيسة المشرق الآشورية التي تتركز في منطقة الجزيرة السورية، وحديثا، استقر المسيحيون في أحياء متراصة ومتقاربة من بعضها البعض في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب وحمص والحسكة، أو على شكل متباعد في مدن تحوي على مسيحيين بنسب أقل مثل درعا والسويداء والقنيطرة، أما وجودهم في الساحل فغلب عليه الطابع الإندماجي داخل المجتمع، الأمر الذي يمكن لحظه عبر التداخل الحاصل ما بينهم وبين باقي المكونات حتى إن عائلات عريقة منهم كانت تقطن الأرياف، وهي لعبت دورا تنويريا فيها على المستويين الإجتماعي والإقتصادي.

تذكر المصادر التاريخية أن نسبة المسيحيين في سوريا أواخر العهد العثماني كانت تزيد على 25% من مجموع السكان، إلا إن هذه النسبة انخفضت إلى ما بين 10 - 12% خلال العقد الأول من حصول البلاد على استقلالها، والسبب الإساسي لذلك الإنخفاض كان يعود للهجرة التي تزايدت بمفاعيل عدة كان من أبرزها الإضطرابات السياسية والإجتماعية التي سادت في تلك الفترة، وبعضها ذي علاقة بمحاولة المسيحيين إيجاد ظروف معيشية أفضل، إلا إن فترة الإستقرار النسبي التي مرت بها البلاد ما بين منتصف الستينات وصولا إلى بدايات الأزمة كانت قد ساعدت في «مراوحة» التواجد المسيحي عند هذه النسبة الأخيرة، ووفقا للبيانات الصادرة عن «مكتب الإحصاء المركزي السوري» فإن تعداد السوريين للعام 2011 كان يزيد قليلا عن 24 مليون نسمة، وعليه فإن تعداد المسيحيين، حينها، يكون عند 2.4 - 2.8 مليون نسمة، وهو ما أكدته أيضا مصادر كنسية موثوقة، كانت «الديار» قد تواصلت معها في سياق إعداد هذا التقرير، بعد العودة إلى سجلاتها، ومع ارتفاع ألسنة اللهب السورية بدءا من مطلع العام 2012 بات المسيحيون، شأنهم شأن كل السوريين، عرضة لتحديات شتى، لكنهم كانوا أكثر عرضة من هؤلاء لتلك التحديات في المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة السورية بدءا من آذار 2015، وبحسب تقرير لمنظمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة» فإن «العديد من العائلات المسيحية فرت بعد سيطرة( هيئة تحرير الشام) على إدلب، تاركين وراءهم ممتلكاتهم»، وقد أشار تقرير آخر لاحق للمنظمة السابقة في العام 2016 إلى «قيام ( هيئة تحرير الشام) بمصادرة المنازل والمحال التجارية التي تعود ملكيتها للمسيحيين، الذين أجبرهم الإرهاب على مغادرة المدينة»، كما ورد في تقرير آخر أن «الهيئة» قامت بـ«تحويل كنيسة في إدلب العام 2015 إلى معهد شرعي، واستخدمت جزءا منها كسكن لمقاتليها».

خلال سني الحرب الأربعة عشر حدثت ثلاث موجات هجرة مسيحية من سوريا، الأولى، وهي الأقل حجما، حدثت ما بين 2012 - 2014، والثانية ما بين 2014 - 2017، أما الثالثة التي حدثت ما بعد العام 2020 فكانت الأقسى على وقع ارتفاع تكاليف العيش واشتداد الحصار الإقتصادي المفروض على البلاد، وفي نهايتها كانت نسبة المسيحيين لا تتجاوز 3% من عدد السكان.

أشارت بعض التقديرات الحديثة مثل «سكاي نيوز عربية» التي جاء في تقرير لها نشرته شهر كانون أول الفائت، أن «نسبة المسيحيين في سوريا راهنا لا تزيد عن 3% من إجمالي السكان»، وأشار تقرير لمنظمة «العون للكنيسة المحتاجة» إلى أن تلك النسبة «بلغت 2%، مع تقديرات بأن عدد المسيحيين قد انخفض إلى،300 ألف، من أصل 2.5 مليون كانوا موجودين حتى العام 2011»، وإذا ما كان من الصعب اليوم تحديد نسبة هؤلاء، أو عددهم، على وجه التحديد، إلا أن العديد من المؤشرات يؤكد على أن كلا الرقمين قد انحدرا إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ السوري، فقد أشارت تقارير عديدة، راحت تتوالى بدءا من شهر كانون أول المنصرم، إلى عمليات مصادرة لممتلكات المسيحيين في العديد من المناطق، وأظهرت صورا ومقاطع لمسلحين ينتمون إلى «هيئة تحرير الشام» وهم يعتدون على الكنائس والمقابر المسيحية، كما تعددت المقاطع حول الإعتداءات التي تعرضت لها كنيسة «أيا صوفيا»، اليونانية الأرثوذكسية، بمدينة السقيلبية بمحافظة حماة وسط البلاد، التي قام ملثمون أيضا بحرق شجرة عيد الميلاد في ساحتها الرئيسية يوم 23 كانون أول الفائت، وفي مدينة حماة وثقت بعض المقاطع لقيام متطرفين إسلاميين بالدخول إلى بيت رجل مسيحي بغرض «دعوته إلى الإسلام»، وقد ذكرت منصة «الأمة اليونانية السورية»، في منشور لها على «X» إن «الحكومة الجديدة التي تسيطر عليها (هيئة تحرير الشام) تسمح باستهداف الروم والسريان والعلويين، وتحميلهم المسؤولية عن جرائم النظام السابق»، وفي دراسة مطولة ذكر أوزاي بولوت، الصحفي التركي والباحث في معهد «جيتستون» الأميركي، إن «المسيحيين يواجهون اليوم في سوريا تهديدا إرهابيا وجوديا بعد وصول(هيئة تحرير الشام) إلى السلطة في دمشق»، وأضاف في دراسته التي نشرها المعهد المذكور أنه «بعد سيطرة (هيئة تحرير الشام) بات المسيحيون في سوريا رهائن في أيدي الإسلاميين، فقد تصاعدت أعمال العنف ضدهم بشكل ملحوظ».

اليوم هناك محاولات، وجهود، من الكنائس، وعلى رأسهم بطريركية الروم الأرثوذكس لاستعادة المسيحيين إلى وطنهم، لكن على أسس وواقع سليم يسوده الأمن، ويثبت فيه القضاء العادل الكفيل بحماية المواطنين وممتلكاتهم، كما يضمن الواقع الإقتصادي القوي فرص العيش الكريم لكل أبناء الوطن، والمؤكد هو أن تلك الجهود ستظل متعثرة، وضعيفة التأثير، ريثما تكون هناك حلول عامة، وترى «مطرانية الروم الأرثوذكس» باللاذقية أن «نزيف الوطن الحاصل عبر هجرة أبنائه يمكن له أن يتوقف فقط بتحقيق العدالة والحرية، وتطوير المنهج العقلي، وعدم التعاطي بمصطلح الأقليات، المهين والسلبي، والذي من شأنه حرمان أبناء الوطن من المواطنة الكاملة»، كما يتوقف النزيف عندما يشعر المسيحيون أنهم «أفراد عائلة»، لا «ضيوف» على هذي الأخيرة.

عبدالمنعم علي عيسى - الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا